مواطنون يتوجسون من الدعوات الخاصة، والمنح المالية السعودية، ويدعون جهاز المخابرات الوطني لمتابعة هذه الأنشطة المريبة ..

بغداد- العراق اليوم:

بغض النظر عن التسريبات الصحافية والمعلومات الأمنية التي بثتها الصحافة القطرية عن تحرك سعودي لشراء ذمم بعض شيوخ العشائر والقبائل في وسط وجنوب العراق، فضلاً عن شراء ولاء بعض وسائل الاعلام العراقية من بينها فضائيات واسعة الانتشار والشهرة .

هذه المعلومات التي تنسبها الصحافة القطرية الى مصادر مطلعة في بغداد، قد تأتي في أطار الحرب الإعلامية ( القذرة) بين قطر وخصومها. لكنها لا تعني أنها كاذبة مئة في المئة، او لا أساس لها في الواقع، فهذه التحركات كانت ولا تزال مرصودة من قبل الاجهزة الأمنية العراقية. وقد سبق للاجهزة المختصة ان اطاحت ببعض هذه التحركات، التي حاولت دولة الإمارات من قبل، عبر "عملاء " رخيصين ان تستغل انشغال الدولة بملف مواجهة التنظيمات العلنية كداعش واخواتها، لتزرع خلايا في الجنوب العراقي، وبالتحديد في البصرة . وقد أحبطت تلك التحركات في مهدها، الا ان الفضح القطري الجديد يتحدث عن مبادرة سعودية كبرى خصصت لها اموال طائلة، وبدأت الدوائر الخاصة في الرياض بالترتيب للعب في هذه المنطقة المستقرة من البلاد.

وما يعزز هذا الامر، وجود حملات اعلامية منظمة تستهدف هذه المنطقة، كما ان هناك استغلالاً واضحاً للاختلاف في الرأي في مناطق الجنوب لاشعال فتنة (شيعية -شيعية) قد تحرق لا سمح الله ما تبقى من العراق، وتدخله في دوامة لا تنتهي .

ثمة سياسيون ومراقبون من البصرة والناصرية والعمارة، تحدثوا بشكل خاص لل( العراق اليوم) عن مثل هذه المخططات، وحذروا من التراخي أو التماهل في مواجهتها، لأن الوضع في هذه المحافظات محتقن، لا سيما وأنها الأكثر تضرراً لما حصل بعد احتلال الموصل وفي تحريرها مع المدن المحتلة.  وقد أشاروا الى ان " مدن الجنوب بالفعل كانت مدن التضحية الكبرى، وهي التي دفعت ثمن مؤامرة داعش بفاتورة عظيمة، فاتورة الدم الطاهر، حيث قدمت الاف الشهداء والجرحى دون منة، أو مطالبة ببعض حقوق هذه الدماء الزكية، فضلاً عن كارثة التقشف التي دمرت الاقتصاد المحلي، ورفعت مستويات الفقر والبطالة".

المراقبون في محافظات الجنوب دعوا جهاز المخابرات الوطني العراقي عبر ( العراق اليوم) الى التحرك السريع لوأد أي تحركات مشبوهة، واصفين الجهاز بأنه اليوم " صمام الامان" والسور الذي يقي العراق شرور المؤامرات الخارجية والداخلية .

    وكانت الصحافة القطرية نقلت عن مسؤولين عراقيين قولهم ، أن ما لا يقل عن 50 زعيما قبليا، غالبيتهم من عشائر جنوب ووسط العراق، تلقوا دعوات لزيارة السعودية، ولقاء مسؤولين وشخصيات قبلية واجتماعية ودينية هناك، ضمن ما أطلق عليه تعزيز العلاقات الأخوية.

جاء ذلك بالتزامن مع الكشف عن تقديم السلطات السعودية لمنح مالية عالية الى بعض وسائل الإعلام المحلية العراقية، بينها قناة فضائية تحظى بتأثير واسع داخل الشارع العراقي وهو أمر مخالف للقوانين والانظمة الإعلامية في العراق، وممنوع دستورياً.

وقال عضو مجلس عشائر بغداد، الشيخ «مالك الخزعلي»: «إن دعوات سعودية وصلت أخيرا إلى عدد كبير من زعماء العشائر لزيارة المملكة. نرحب بذلك، لكن طبيعة انتقاء الشخصيات غير صحيحة، ويبدو أنها ناجمة عن جهل القائم على هذه الدعوات».

وأضاف: «تم توجيه دعوات إلى شخصيات خلافية لا تحظى بإجماع المشيخة داخل العشيرة ذاتها، وتم إهمال شيوخ آخرين، وتم إرسال دعوة إلى شيخ فخذ (فرع من العشيرة)، وأهمل شيخ عموم العشيرة بذاته، وتكرر ذلك في أكثر من عشيرة»،  ومن هذا تتضح اهداف الدعوة السعودية ومقاصدها.

مشيراً إلى دعوات وجهت إلى شيوخ من محافظات البصرة وبابل والنجف وذي قار والمثنى والقادسية، فضلا عن بغداد وديالى والأنبار وصلاح الدين.

وأعلن «الخزعلي» أن الدعوة مفتوحة، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنها قد تؤجل لما بعد عطلة عيد الأضحى، مضيفا أن الدعوة تفسر على أنها لإذابة الجليد الطائفي وتطبيع العلاقات بشكل أكبر ضمن نهج جديد للسعودية مع العراق.

 لكن لا أحد يعرف ما يدور في عقل السعوديين، وما يسعوون اليه !

 

بعلم من الحكومة

 

من جانبه، قال مسؤول بارز في الحكومة العراقية إن «الدعوات السعودية لزعماء العشائر العراقية تمت بعلم من الحكومة، وهناك فئات أخرى وجهت لها دعوات، مثل رجال الأعمال العراقيين ورجال الدين الذين يتواجدون حاليا في مكة بدعوة رسمية، وعددهم نحو 200 رجل دين من فئة خطباء مساجد وحسينيات وطلاب علم ومدرسين في الحوزة العلمية في النجف».

ووفقاً للمسؤول، فإن دعوة السلطات السعودية أخيرا لعلماء المساجد وخطباء المنابر بعدم الدعاء على ما يسمونه الرافضة والتحريض عليهم تعتبر خطوة إيجابية ممتازة، وبداية تغيير كبير في العلاقات بين البلدين، على حد وصفه.

وتوقع أن تتم بالمقابل زيارات لمسؤولين سعوديين على مستوى رفيع إلى العراق نهاية سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول المقبلين.

 

هدايا مالية

 

إلى ذلك، قالت مصادر إعلامية عراقية في بغداد إن 5 وسائل إعلام عراقية محلية تلقت هدايا مالية فخمة من السعودية، لتطوير ما وصفته المصادر بالخطاب الإعلامي الإيجابي والهادف.

وتتخذ أغلب وسائل الإعلام العراقية من عمان ولندن وإسطنبول مقرات رئيسية لها، إضافة إلى مكاتبها الأم الموجودة في بغداد وأربيل.

وقال أكثر من مصدر مطلع إنه سمح لإحدى وسائل الإعلام، وهي محطة فضائية عراقية ذائعة الصيت، للمرة الأولى، بتغطية مناسك الحج لهذا العام، عبر بث مباشر من مكة، وإجراء لقاءات مع الحجاج العراقيين.

وتمر المؤسسات الإعلامية العراقية بضائقة مالية كبيرة أسفرت عن تسريح العشرات من العاملين فيها، وإغلاق عدد منها.

ويرجع ذلك إلى إيقاف الكونغرس الأمريكي برنامج دعم عدد كبير من وسائل الإعلام العراقية التي ظهرت بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، ضمن ما أطلق عليه حينها برنامج دعم الديمقراطية في البلاد.

وقال عضو في مجلس إدارة إحدى تلك الفضائيات، إن الدعم المالي السعودي يهدف إلى تبني خطاب معتدل ضد الطائفية والإرهاب وتوحيد العراقيين، نافيا أن يكون هناك أي إملاءات أو شروط قبيل تلقيهم المنحة السعودية.

ومن الجدير بالذكر ان القانون العراقي الخاص بتنظيم وسائل الإعلام العراقية للعام 2005 يمنع كما ذكرنا قبل قليل تلقي أي مؤسسة إعلامية مبالغ مالية خارجية من دون موافقة حكومية.

وشهدت العلاقات السعودية العراقية تحسنا كبيرا خلال الشهرين الماضيين بعد سلسلة زيارات متبادلة لمسؤولي البلدين، أسفرت عن رفع التمثيل الدبلوماسي وفتح المعبر البري بين البلدين، وزيادة مقاعد الحج للعراق واستئناف رحلات الخطوط الجوية والإعلان عن قرب فتح قنصليات سعودية في البصرة والنجف،  وهو أمر اثلج صدور الملايين من العراقيين والسعوديين، الذين باعدت بينهم كثيراً الخلافات السياسية والمذهبية من قبل، لكن العراقيين يريدون ايضاً الوضوح في العلاقة، بحيث يتم كل شيء بعلم الحكومة وليس من وراء ظهرها، حيث كانت تفعل السعودية في الظلمة والسر عبر السنوات العشر الماضية.

لذلك يتوجه المواطنون الحريصون في الجنوب العراقي بدعوة جهاز المخابرات الوطني العراقي النشيط، لمراقبة هذه الدعوات، والمنح المالية المقدمة للشيوخ ولبعض وسائل الإعلام العراقي، مفترضين صحة مايروجه الاعلام القطري، من باب الإحتياط والحذر ليس إلا، إذ ليس كل الأخبار القطرية كاذبة، وليس كلها صحيحة ايضاً.

علق هنا