على أردوغان أن يتعلم من العبادي الشجاعة المقرونة بالهدوء

بغداد- العراق اليوم:

سنحاول اختيار تصريحين من التصريحات المتعددة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان واركان حكومته وحزبه حول العراق وكبار المسؤولين فيه وعلى راسهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهي تصريحات اقل ما يقال عنها انها خارجة عن اللياقة في حدودها الدنيا، وتعكس الروح المتعجرفة والفارغة لهؤلاء المسؤولين الاتراك.

 

التصريح الاول هو للرئيس التركي اردوغان، عندما وجه كلامه الى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 11 تشرين الاول/اكتوبر الماضي، قائلا: “لست محاوري، لست من مستواي، لست كفوا لي، لست بنفس منزلتي. صراخك وصياحك في العراق لا أهمية له لدينا. عليك أن تعرف أننا سنمضي في طريقنا”، كلام اردوغان هذا جاء ردا على طلب العبادي من تركيا سحب جنودها من منطقة بعشيقة العراقية.

 

التصريح الثاني هو لوزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو ادلى به يوم الأربعاء 2 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، مخاطبا رئيس الوزراء العراقي الذي حذر تركيا من مغبة اجتياح العراق،: “إذا كنت بمثل هذه القوة، لماذا سلمت الموصل إلى منظمات إرهابية؟ لو كنت قوياً، لماذا سمحت لحزب العمال الكردستاني باحتلال أرضك منذ سنوات؟ .. أنت لست قادراً حتى على محاربة منظمة إرهابية، أنت ضعيف. وبعد ذلك تحاول لعب دور الأقوياء”.

 

كما قلنا ان هذه التصريحات تعكس الروح العثمانية المتعجرفة والفارغة التي يحاول اردوغان واركان حزبه نفخها في المجتمع التركي، وهي، بحد ذاتها، لا تستحق الرد، الا اننا سنحاول ان ننطلق من هذين التصريحين، لعقد مقارنة موضوعية بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وبين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لنعرف ايهما القوي.

 

العبادي تولى منصب رئاسة الوزراء في العراق عام 2014، بينما كانت “داعش”، المدعومة تركيا وسعوديا وقطريا واماراتيا تطرق ابواب بغداد، بعد سيطرتها على محافظات الموصل والانبار وصلاح الدين واجزاء من محافظتى كركوك وديالى، واليوم (6 تشرين الثاني / نوفمبر) دخلت القوات المسلحة العراقية من الجيش والحشد الشعبي، مناطق من مدينة الموصل واخذت تقترب من مطار الموصل، آخر معقل لـ”داعش” في العراق، بعد ان طُردت من جميع المحافظات والمدن والبلدات والقرى التي سيطرت عليها قبل عامين.

 

الرئيس التركي و وزير خارجيته هما ادرى من اي شخص اخر، من الذي يمد “الدواعش” بالاسلحة والعتاد والرجال، ويشتري منهم النفط العراقي والسوري، فتركيا تاتي على راس قائمة هذه الجهات، فهذه الحقيقة كشف عنها نائب الرئيس الامريكي جو بايدن، الذي اكد ان حلفاء امريكا ومن بينهم تركيا والسعودية وقطر هم من يمول ويدعم “داعش”، ولسنا بصدد تكرار كيفية دخول “داعش” الى الموصل، وعدم تعرضهم للقنصلية التركية هناك، ونقل كل موظفيها وعسكرييها، معززين مكرمين الى تركيا، رغم انهم بطشوا وفعلوا الافاعيل بالاخرين.

 

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي تحققت في عهده كل هذه الانتصارات، وبات على وشك ان يعلن هزيمة “داعش” نهائيا في العراق، الا انه مازال قليل الكلام يحافظ على تواضعه وهدوئه، ولم تدفعه هذه الانتصارات الى الخروج عن اتزانه ورصانته، فهو ينزل بنفسه الى ساحات المعارك ويشارك جنوده ومع مقاتلي الحشد الشعبي والبيشمركه، لحظات القتال والانتصارات.

 

العبادي، يحارب الفساد ايضا في الوقت الذي يحارب “داعش”، فقد مهد الارضية، وهيأ الاجواء، وشجع على ان يقوم مجلس النواب العراقي بمهامه في مساءلة واستدعاء اي وزير او مسؤول مهما على شأنه، في حال شابت حوله شبهة فساد، و وقف من جميع الاحزاب والكتل السياسية على مختلف انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية، فرض نفسه كرئيس حكومة، يثق به جميع العراقيين، وهو ما يفسر المشهد الحالي الذي يعيشه العراق، حيث يحارب الجيش والبيشمركة وقوات الحشد الشعبي والحشد العشائري في جبهة واحدة تحت راية العراق ضد “داعش”.

 

لا نضيف معلومة جديدة لو قلنا ان العراق الذي يعمل فيه العبادي، منكوب منذ 2003 بمئات الالاف من الارهابيين التكفيريين القادمين من مختلف دول العالم، انضموا الى فلول البعث الصدامي، واحتضنتهم بعض الحواضن التي وقعت في فخ الاعلام الطائفي الرجعي الذي يستهدف العراقيين عربا واكرادا شيعة وسنة وتركمانا ومسيحيين وايزديين وصابئة، فالعمل في مثل هذه الظروف بحاجة الى رجل قوي واستثنائي مثل السيد العبادي.

 

من الاشياء التي تحسب للعبادي وتؤكد قوته وقوة شخصيته، هو تحمله للنقد، الذي يصل الى حد التطاول، ويمكن لاي كان ان يقف على الحجم الهائل من النقد الذي يتعرض له العبادي ليل نهار، حتى من بعض الذين يعملون داخل العراق لجهات خليجية وتركية لا تريد الخير للعراق واهله، ولكن لم يحدث ولا مرة واحدة ان اخرج هذا النقد وحملات التشهير، العبادي عن هدوئه، فكثيرا ما مر مرور الكرام من امامها  دون ان يلتف ولو التفافة اليها، في صبر يحسد عليه.

 

اما اردوغان، الذي يدعي القوة ويتهجم على العبادي، يرتعد من مجرد نقد من صحفي او سياسي او حتى فنان ساخر، فيأمر على الفور باعتقال المنتقد واغلاق الصحف، فقبل ايام امر باعتقال تسعة من العاملين بصحيفة جمهوريت المعارضة، بذرائع واهية، كما امر باعتقال العشرات من النواب ومن المسؤولين الاكراد، بذريعة دعم الارهاب،  وامر ايضا بالطرد من العمل واعتقال  اكثر من 110 آلاف مسؤول بينهم قضاة ومعلمين ورجال شرطة وموظفين مدنيين في أعقاب الانقلاب الفاشلة في يوليو/تموز الماضي، وهي اجراءات تكشف خوف و رعب و ضعف اردوغان امام اي نقد او تحرك سياسي حتى لو كان سلميا وفي اطار الدستور.

 

اما النقطة الابرز التي كشفت ضعف وانهيار اردوغان هو فشله في مواجهة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، رغم ان الحزب معزول ومحاصر ومصنف ارهابيا على المستوى الاقليمي والدولي، ورغم  ان تركيا تمتلك ثاني اكبر جيش في حلف الناتو من ناحية العدد، الا ان مقاتلي الحزب تمددوا في عملياتهم جغرافيا من جنوب شرق تركيا الى اسطنبول وانقرة وفي عمق تركيا، ونفذوا العديد من العمليات التي استهدفت الجيش والشرطة وقوات الامن التركي.

 

اردوغان، الذي عجز عن الحاق الهزيمة بحزب العمال الكردستاني، يتعرض لضربات من حليفه القديم “داعش”، بعد ان انقلب السحر على الساحر، وبعد تغاضى اردوغان عن العمليات الانتحارية لـ”داعش” عندما كانت تستهدف الاكراد حصرا، الا انها اليوم انقلبت على اردوغان، وبدات باستهداف مراكز تابعة للدولة التركية، كما حدث يوم السبت 4 تشرين الثاني/نوفمبر في ديار بكر، عندما قامت “داعش” بتفجير سيارة مفخخة، استهدفت مبنى للشرطة في مدينة آمد، قتل وجرح خلاله العشرات، وهي اول عملية ارهابية تنفذها “داعش” في تركيا تستهدف الحكومة.

 

على اردوغان المرعوب من الصحافة، والمشلول امام حزب العمال الكردستاني، والحائر امام “داعش”، عليه ان يتعلم من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الشجاعة وكيفية التعامل مع الاخطار، وان يواجهها بهدوء ورباطة جأش، دون توتر وانفعال، والتستر وراء التهريج والعويل وقمع الخصوم، لاخفاء حالة الضعف التي يعاني منها، والتي تتكشف اكثر كلما زاد من تهريجه وعويله وصراخة.

 

شفقنا *

علق هنا