بغداد- العراق اليوم:
الم يكن بأمكان الشهيد محمد باقر الصدر، ان يؤجل المواجهة مع صدام وهو الممسك للتو بمقاليد الحكم، والقابض على هواء بغداد بيده الملطخة بالدم منذ صباه الأول، أم أن الصدر كان يعتقد أن المواجهة حتمية وضرورية، وتأجيلها قد يأتي بنتائج عكسية، وقد يفيد تأخيرها مع مثل هذا النظام، صدام من تدعيم مشروعيته السياسية. في الواقع ان الصدر ادرك بما لايقبل الشك ان النظام البعثي المنقلب في العام 1968، والقافز للسلطة بمختلف القطارات، أنما هو شر يتأكد ويثبت على الأرض العراقية مع كل يوم يمر عليه، وأن السكوت عنه او تجنب مواجهته انما سيعطيه زخماً يبحث عنه، ويزيد من ثباته للأسف فوق التراب الوطني، ولذا فأن المواجهة معه ابان حكم المقبور احمد حسن البكر، اقتصرت على ما اقدم عليه النظام من اعدام شهداء "قبضة الهدى" في العام 1974، الامر الذي أدى الى تراجع حزب الدعوة الى العمل السري، ومضي الشهيد الصدر في انتهاج خط مقاوم، ومقاومة مسلحة، والتهيئة لها، مع العرض ان النظام كان يستفيد من النمو الحاصل في النفط، والايرادات المالية في تدعيم سلطته، وبسط نفوذه، وشراء الولاءات، مسخراً بروبغندا واضحة في التأثير على صورة كل من يعارضه، بتشويهه، ومحاولة تصويره على انه معاد للثورة، وأنه يريد ان يجهض تطلعات شعب يريد أن يستكمل دورة نموه المعتادة. في تلك الأجواء الحالكة، كان النظام يصنع صورته منمقة في الخارج، لكنها محشوة بالدم والجماجم والسجون والمقاصل الرهيبة. فكيف يفضح الصدر هذا الزيف، وكيف يصعق الأمة من سباتها، وكيف يعري تلك الآلة السخيفة والمضللة، سوى أن يقدم على المواجهة بشكل شخصي وحاد وواضح. ولعل اعلانه تأييد الثورة الاسلامية في ايران، وأتخاذه خيار المواجهة القصوى كان هو النهج الذي رسمه الشهيد الصدر لضرب مشروعية النظام من جهة، واحراجه في شعارات الترحيب والتأييد التي كان يطرحها مع التخلص من حكم الشاه ( شرطي الخليج)، والبحث عن صداقة ذلك النظام. لكن صدام ايقن ان بقاء حركة الشهيد الصدر مؤثرة وحاضرة في تفاصيل الأمة بهذه القوة وبهذه الاندفاعة، تهدد كيانه، وتقوض سلطته، لذلك اخذ الأمر على أنه مسألة وجود لا بد ان تحسم وأن كان الثمن سفك دماء الصدر بهذه البشاعة والقسوة والبربرية والوحشية التي لا تصدق. أقدم صدام على اعدام المفكر الصدر بسرية تامة، لكن ذلك لم يخف على الناس، بل صارت هذه العملية القشة التي قصمت ظهر النظام البعثي، وسلبته أي مشروعية كان يريد ان يطلي بها جوفه الفاسد، وهكذا كان دماء الصدر الثمن الأكبر الذي دُفع في طريق الخلاص من هذا الدكتاتور المجرم، واللحظة الفاصلة التي قالت بوضوح ان العراق بعد اغتيال الصدر ليس كما قبله، وأن هذا النظام زائل لا محالة.
*
اضافة التعليق