بغداد- العراق اليوم: كتب المحرر الاقتصادي في "العراق اليوم" : يبدو ان ازمة إرتفاع أسعار المواد الغذائية، وموجة الغلاء المعيشي التي تجتاح العالم، لا تميز بين خارطة واخرى، فهذه الازمة العميقة، نتاج ظروف مختلفة، ووليدة حروب واحتقانات بعضها طبيعي، كالجفاف والظروف البيئية السيئة، وبعضها الآخر نتيجة لحروب واشتباكات في بقاع تعد من مصادر الغذاء الأساسية حول العالم، كروسيا واوكرانيا، لذا فأن ارتدادات هذه الازمة على اقتصاديات مستقرة، لا تزال واضحة،. فمثلاً يكفي ان تعرف ان سعر اللتر الواحد من البنزين ارتفع في الولايات المتحدة الأمريكية الى١٠٠٪ خلال الأيام الماضية، اذ بلغ بحسب ارقام منشورة 7 دولارات للتر الواحد في بعض الولايات، في الوقت الذي لم يكن يتجاوز سعره ال 4 دولارات، وقس على هذا الارتفاع بقية المواد والسلع الاستهلاكية الأخرى. هذا الأمر انسحب الى بقية قطاعات الاسواق العالمية التي تشهد تراجعاً في المعروض من المواد الغذائية، وسط تزايد الطلب، لذا فإن الاوضاع المعيشية في محيط العراق مثلاً، تراها تشهد اضطراباً خلال العامين الماضيين، وخذ تركيا التي انهارت فيها الليرة الى مستويات قياسية. وكذلك الحال مع الأردن وسوريا والسعودية والكويت وغيرها من بلدان الجوار، وهنا ينبغي ان لا نضع هذا مبرراً للارتفاع المفاجئ للاسعار في الأسواق العراقية، لكن برأينا ان ظلالاً داكنة باتت تخيم على الاجواء، فضلاً عن قرب الموسم الرمضاني، وهو موسم يشهد غلاءً سنوياً، وايضاً هناك جشع واضح من مستوردي المواد الغذائية الذين في الغالب يضاربون في هذه المواسم، ليجنوا مليارات ثقيلة، للأسف من جيوب الفقراء والطبقات الهشة. يضاف الى كل هذا غياب الستراتيجية الوطنية منذ 2003، وضعف التخطيط لبرنامج غذائي، وأمن اقتصادي شامل، وترك الاسواق حرة، خاضعة لمنطق الاسواق العالمية التي تشهد مضاربات، وتلاعباً واحتكاراً وغيرها من اساليب الربح السريع. اليوم، وقد مضت حكومة الكاظمي في خطوة استباقية تهدف لخلق قدرة شرائية لدى طبقات بعينها، وهي صغار الموظفين والمتقاعدين والطبقات المحمية بشبكة الحماية الاجتماعية، فإننا نعتقد انه اجراء مناسب، لاسيما بعد ان استتبعه اجراء بفتح باب الاستيراد، وايضاً الحملة المنظمة التي نشهدها من قبل أجهزة الأمن الوطني وغيرها لملاحقة المحتكرين والجشعين، وهؤلاء وحدهم ازمة دائمة، وادوات تنخر المجتمع العراقي منذ الازل، ولذا استغلوا الانشغال ومحاولات خلق اقتصاد سوق حر غير مسيطر عليه مركزياً، وراحوا يتلاعبون بقوت الناس. هذه الإجراءات السريعة، يجب ان توضع في برنامج محكم، وان تتابع الاجراءات بحيث يجري سد الفجوة، والقضاء على اي ثغرات ينفد منها اي متلاعب، ونرى ان هذه الإجراءات يجب ان تتلخص في الآتي: - الاستفادة من الوفرة المالية التي يوفرها ارتفاع أسعار النفط الخام، وبناء خزين ستراتيجي غذائي للبلاد. - تفعيل برنامج الدعم الحكومي الشامل، والوصول الآمن للطبقات المحرومة، وشمولها بالدعم كونها الاكثر تضررا. - البدء فوراً بتفعيل قوانين الجرائم الاقتصادية، وملاحقة المحتكرين والمتلاعبين بالاسواق. - تأسيس شركات مختلطة بين القطاع الخاص والعام لاستيراد وتوزيع المواد الغذائية والسلع الأساسية. - العمل على برنامج توفير اكتفاء ذاتي من الحبوب المنتجة محلياً، من خلال دعم المزارعين، والتوسع بالخطط الزراعية لهذا الموسم. وبالفعل، نرى ان حكومة الكاظمي قد خطت بجرأة خطوات شجاعة وضرورية وهي تعالج ازمات سابقة وفشل مزمن، لكنها مسؤولية وطنية اضطلعت بها هذه الحكومة، وستنتهي الى تأسيس امن غذائي للبلاد في القريب العاجل، اذ ان هذه الحكومة نجحت في تحويل الكثير من الأزمات الى انطلاقات للنجاح، وأسست لخطوات تهم مستقبل العراق.
*
اضافة التعليق