بغداد- العراق اليوم: كتب الباحث والأكاديمي العراقي، احمد حميد، مقالاً عن انماط المعارضة السياسية في العراق بعد ٢٠٠٣، وخصوصاً المعارضة التي سيواجهها الصدر وحلفائه في الحكومة المقبلة، حيث كتب حميد مستعرضاً في مقالته "العراق: الأفندي العنيد… والدبلوماسي المعمم"، مشهدية افق المستقبل السياسي القريب، ومقارناً بين نوعي المعارضة، حيث جاء في المقال: معارضتان شيعيتان، ستواجهان حكومة الصدر والحلفاء، في الأفق القريب. من سوءِ حظ زعيم تيار الحكمة عمّار الحكيم؛ أن ينافسهُ على جلدِ الفشل الحكومي المقبل، زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي. فكلاهما يلعبانِ في المنطقة الجماهيرية ذاتها، أي الجمهور الشيعي المناهض للخط الصدري، الذي يقفُ على مسافةٍ متأرجحة بين الولاء للمرجعية الدينية في النجف، وسلوك المدنية الحياتية الاجتماعية المتزنة. جمهور كهذا؛ أغلبهُ رمادي المواقف، يميلُ للصمت؛ ويصغي لمنبر الجمعة الناطق من كربلاء، وأقلهُ مؤدلج سياسياً، لصالح أرباب الوظائف في مؤسساتنا الرسمية المتهاوية. لربما حظوظ المالكي في تعزيز الحضور المعارض على حسابِ الحكيم، ممكنة جداً؛ وهذه الإمكانية شبه القاطعة، تعود لعوامل ذاتية كارزماتية، التي كثيراً ما “تطربُ” لها الشيعية المؤمنة بثقافة الرمز – الجمهور الطوطمي- بينما الأغلبية الصامتة، يعيقها الإيمان بقدرات الحكيم، هو واقعهُ الطبقي، وخطابهُ الذي لا يلامس إلا زبائن تيار الحكمة؛ في دوائر ومؤسّسات الدولة الريعية. وهذه الزبائنية تجلى حضورها النوعي بالفعالية الأخيرة للتيار، التي جرت في مدينة النجف الدينية، في الذكرى السنوية لاغتيال “العم” محمد باقر الحكيم الزعيم الشيعي المعارض لنظام صدام حسين، الذي تمكن تنظيم “القاعدة” من اغتيالهِ بسيارةٍ مفخخة لدى خروجهِ من صلاة الجمعة في 29 أغسطس/آب 2003. واضاف" يتميزُ عمّار الحكيم (51 عاماً)، عن نوري المالكي (71 عاماً)، بالتنظيم الذاتي والحزبي، والالتزام السياسي، بينما يخونهُ الخطاب الإعلامي الذي يجيدهُ بجدارة زعيم ائتلاف دولة القانون، من حيث النبرة والصوت والمصطلحات والحضور. كما أنّ أدوات المالكي استطاعت أن تخرجَ من دائرةِ الحضور الدعوي المغلق سابقاً، إلى الفضاء العام، عبر خطابٍ يستهدفُ بيئتين ضديتين في آنٍ واحد؛ هما، بيئتا القرية والمدينة. وتابع "بينما أدوات الخطاب الحكيمي، أضحت غير عاملة وغير فاعلة، كما كانت في السابق ـ بدايات المناخ السياسي الجديد بعد إبريل/نيسان عام 2003- وعلى صاحبها الخروج من احتكار عباءة الإرث المرجعي، والتمثيل السياسي الأسروي، وتبديد المخاوف العامة تجاه آرائهِ بالدولة المدنية، الآراء التي لا تثقُ بها إلا النخبة الشيعية “الجاهلة” بخفايا المجتمع الشيعي الحوزوي، إذ يعمد الزعيم السياسي الشاب، إلى كسبِ العاطفة الشبابية “الثائرة” على منهج النظام الطائفي، التي شكلت محور انتفاضة تشرين الاحتجاجية، وبالتوازي مع ذلك يجاهدُ عمار الحكيم كثيراً للحفاظِ على قاعدتهِ التقليدية المنبثقة عن محيطهِ الديني المغلق، لذا السير في خطين ثقافييَّن متناقضين أو متنافرين، قادهُ إلى ضياع البوصلة، والفشل في صناعةِ رمزية احتوائية؛ في ظلِّ صراع الرمزيات السياسية المتناكفة؛ مكوناتياً ووطنياً. واكد ' إذن؛ نحنُ أمام أكشن سياسي جديد، طرفاهُ عمامتان؛ بينهما أفنديٌّ عنيد، استطاع بجدارة هندسة خريطتهِ الانتخابية، وتوجيه ماكنتهِ الإعلامية التعبوية، لكسبِ أغلب الأصوات الشيعية المرتابة من صعودِ الصدريين، على الرغم من التوقعات التي كانت تشير إلى تضاؤل حضورهِ السياسي والنيابي لاحقاً. في وقتٍ فشلت العمامة الدبلوماسية “المتمدنة”، من إقناع ذلك الجمهور؛ بأنّ تيّارها الأجدر من بين كلا التيارين (الصدر والمالكي). كل هذه السردية التحليلية بشأنِ مواقف المعارضة والموالاة للحكومة العراقية المرتقبة، قد تتلاشى؛ بمجرد أن تشهد البلاد موجةً احتجاجيةً جديدة، شبيهةً بـ”تسونامي” أكتوبر/تشرين الأول 2019، لاسيما أن تردي الأوضاع الاقتصادية، والثراء الفاحش لمنظومة الفساد، وارتفاع نسب البطالة بين الخريجين الشباب، وغيرها من عوامل الاحتجاج التشريني السابق، قد تفاقمت عما كانت عليهِ سابقاً، ما يجعل زعامات النظام العراقي، يعيدون تموضعهم السياسي، والتمترس بخندقٍ واحدٍ أكيد، دفاعاً عن المكتسبات الآنية، لأن سخونة واعتلال الواقع الراهن، أفضل من اندثارهِ وموته.
*
اضافة التعليق