هل يستفيد القادة العراقيون من تجربة البرازيل الإقتصادية ؟

بغداد- العراق اليوم:

فى الثمانينات مرت البرازيل بازمة اقتصادية طاحنة ... فذهبت للاقتراض من صندوق النقد الدولى معتقدة انه الحل لأزمتها الاقتصادية .. وطبعا طبقت حزمة الشروط المجحفة مما ادى الى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين والغاء الدعم وانهار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية...

ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط ... تفاقمت الأزمة اكثر واكثر وأصبح 1%  فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي .. وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين انه الطريق للخروج من الأزمة... فتدهورت الامور اكثر واصبحت البرازيل الدولة الاكثر فسادا وطردا للمهاجرين والاكبر فى معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون فى العالم (الدين العام تضاعف 9 مرات فى 12 سنة) حتى هدّد صندوق النقد باعلان افلاس البرازيل لو لم تسدد فوائد القروض ورفض اقراضها اى مبلغ فى نهاية 2002 ... وانهارت العملة (الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو).. دولة كانت تحتضر بمعنى الكلمة!!

حتى جاء عام 2003 ... وانتخب البرازيليين رئيسهم (لولا دا سيلفا).. ولد فقير وعانى بنفسه من الجوع وظلم الاعتقال كان يعمل ماسح احذية) ... أول ما مسك الحكم الكل خاف منه.. رجال الأعمال قالوا هذا سوف ياخد اموالنا ويأممننا . والفقراء قالوا هذا سوف يسرق كي يعوض الحرمان .. لكنه لم يفعل ذلك ... وانما؟؟

قال كلمته الشهيرة "التقشف ليس ان افقر الجميع بل هو إن الدولة تستغنى عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء ..وقال كلمته الشهيرة (لم ينجح ابدا صندوق النقد الا فى تدمير البلدان) ... واعتمد على اهل بلده .. وضع بند في الموازنة العامة للدولة اسمه (الإعانات الاجتماعية المباشرة) وقيمته 0.5% من الناتج القومي للدولة.. يصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة.. يعنى بدل الدعم العينى بدعم نقدي .. وهذا الدعم كان يدفع ل 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلى... طبعا السؤال من اين والبرازيل مفلسه ؟!!

لانه رفع الضرايب على الكل (ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات).. يعنى رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب ... والسؤال هل وافق رجال الأعمال على ذلك ببساطة ؟!

تخيل انهم كانوا سعداء لأنه منحهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الاراضي مجانا وتسهيل التراخيص واعطاء قروض بفوائد صغيرة مساعدتهم فى فتح اسواق جديدة (بالاضافة الى ان الفقراء دخلهم سوف يرتفع وتزيد عملية شراء منتجات رجال الاعمال فتضاعف حجم مبيعاتهم).. بذلك لم يشعروا انها جباية ... بل يدفعوا ضرائب مقابل تسهيلات اصبحوا يكسبوا اكتر منها ..

بعد 3 سنين فقط عاد 2 مليون مهاجر برازيلي وجاء معاهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل ... فى 4 سنوات سدّد كل مديونية صندوق النقد ... بل ان الصندوق اقترض من البرازيل 14 مليار دولار اثناء الازمة العالمية فى 2008 بعد 5 سنين فقط من حكم لولا دا سيلفا .. (هو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر افلاس البرازيل فى 2002 ورفض اقراضها لتسدد فوائد القروض).

بفضل تركيز دا سيلفا على 4 امور .. الصناعة ... التعدين .. والزراعة وطبعا التعليم ... البرازيل وصلت لسادس أغنى دولة في العالم فى اخر عام لحكمه ... واصبحت تصنع الطائرات (اسطول طائرات الامبريار برازيلية الصنع)..

بعد انتهاء ولايتى حكم لولا فى 2011 ... وبعد كل هذة الانجازات الحقيقية ... طلب منه الشعب ان يستمر ويعدلوا الدستور... رفض بشده وقال كلمته الشهيرة "البرازيل ستنجنب مليون لولا .. ولكنها تملك دستور واحد " وترك الحكم ...

أردت أن اعلمكم انه امس البرازيل دشنت اول غواصة نووية (فقط 5 دول فى العالم تصنّع غواصات نووية امريكا - روسيا - الصين - بريطانيا - فرنسا) ... اول غواصة كانت بالتعاون مع فرنسا .. ولكنها ستدشن الغواصة الثانية فى 2020 والثالثة فى 2022 بصناعة برازيلية خالصة ...

النهوض من التخلف ليس مستحيلا .. انها ارادة وادارة ... ويحدث فى سنوات معدودة فقط والطريقة معروفة ومحددة ... الصناعة والزراعة ... والاهتمام بالفئات الفقيرة والتعليم ... لا شئ اخر

وهذا ما عملته المانيا واليابان فى الستينات

هذا ما عملته دول دول شرق اسيا فى الثمانينات

وهذا ما عملته الهند فى التسعينات

هذا ما عملته تركيا والبرازيل فى 2003

وهذا ما عملته اثيوبيا ورواندا فى 2015.

فمتى يعمل العراق ؟

لا أفق مفتوح مع ثلّة السراق ومراهقي الظهور على الفضائيات.

علق هنا