بغداد- العراق اليوم: - قلب دونالد ترامب التقاليد الديمقراطية الأمريكية رأسا على عقب في رحلته التي بدأت قبل 17 شهرا للفوز بالرئاسة الأمريكية مستغلا في ذلك قدراته الفائقة على الترهيب والمبالغة وبراعته في التعامل مع وسائل الإعلام والتي جعلت منه واحدا من أشهر رجال الأعمال في العالم.
ومنذ أعلن ترامب خوضه سباق الرئاسة من خلال الحزب الجمهوري على المدخل المؤدي إلى السلم الكهربائي لبرج ترامب الفخم الذي يملكه استطاع الجمع بين الحضور الآسر والنزوع لخوض المعارك وبين القدرة على مخاطبة النخبة والجماهير العريضة في آن واحد وبين فاحش الكلام والظهور بمظهر الورع.
وتمثل الانتخابات التي يخوضها ترامب غدا الثلاثاء في مواجهة هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي أول مرة يسعى فيها للفوز بمنصب عام. ووصف ترامب هذا السعي بأنه حركة لا حملة انتخابية.
واجتذب ترامب أعدادا غفيرة من المتحمسين لمؤتمراته الجماهيرية التي هلل له الناس فيها لأنه "نطق بما يدور في أذهان الجميع."
ووصمه منتقدوه بكراهية النساء وعدم الإلمام بمعلومات كافية عما يتحدث فيه وبالفظاظة والإتيان بتصرفات لا تليق برئيس وبالعنصرية والرياء وتهييج الجماهير والتحرش بالنساء. وهذه كلها اتهامات نفاها ترامب.
واستغرق ترامب (70 عاما) ما يزيد قليلا على عشرة أشهر في التغلب على 16 مرشحا آخرين ليصبح أول مرشح لأحد الحزبين الرئيسيين يخوض الانتخابات دون أن يمتلك أي خبرات حكومية منذ الجنرال دوايت أيزنهاور في الخمسينات.
واجتذب ترامب عددا قياسيا من الأصوات في الانتخابات التمهيدية لكنه أحدث في الوقت نفسه صدعا في الحزب الجمهوري.
ثم التفت إلى كلينتون (69 عاما) في سباق انتخابي اتسم بصراعات كان من بينها اضطراب في أوساط العاملين في حملته الانتخابية واتهامات بالتحرش بنساء وزعمه الذي لم يتأكد قط أن كلينتون ووسائل الإعلام زوروا الانتخابات لإبعاده.
وصدم ترامب الكثيرين بقوله إنه قد لا يقبل نتيجة الانتخابات إذا انهزم مخالفا بذلك العرف الذي جرى عليه انتقال السلطة سلميا في الولايات المتحدة.
كما قال إنه سيأمر بالتحقيق مع كلينتون بسبب أسلوب تعاملها مع رسائل البريد الالكتروني إذا ما أصبح رئيسا وتعهد بسجنها.
وأخذت حملته الانتخابية منحى شائنا في أكتوبر تشرين الأول بنشر مقطع فيديو صور عام 2005 يقول فيه ترامب لصحفي تلفزيوني دون أن يدري أن ما يقوله يتم تسجيله إنه يحب تقبيل النساء دون أن يبدين استعدادهن لتقبل ذلك وإنه قد يمسك بعوراتهن دون أن يوجهن له أي اتهام لثرائه وشهرته.
وقال ترامب إن هذه التعليقات مجرد ثرثرة عابرة ونفى ما تلا ذلك من اتهامات وجهتها له أكثر من عشر نساء قلن إنه تحسسن أجسادهن أو تحرش بهن جنسيا.
* قتامة تظلل أمريكا
وخلال الحملة الانتخابية وخاصة في كلمته في مؤتمر الحزب الجمهوري في يوليو تموز الماضي رسم ترامب صورة قاتمة لأمريكا وقد جثت على ركبتيها أمام الصين والمكسيك وروسيا وتنظيم الدولة الإسلامية.
وقال إن الحلم الأمريكي انتهى إذ أخمدته مصالح خبيثة في عالم الأعمال والساسة الفاسدون وإنه وحده يمكنه أن يحيي هذا الحلم.
وقال ترامب إنه سيجدد عظمة أمريكا من خلال قوة شخصيته ومهاراته التفاوضية وبراعته في إدارة الأعمال.
وطرح خططا غير واضحة للفوز بتنازلات اقتصادية من الصين ولبناء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لمنع تهريب المهاجرين وإرغام المكسيك على سداد قيمة بناء الجدار.
وتعهد بإلغاء برنامج الرعاية الصحية "أوباما كير" وأن يكون في الوقت نفسه "أعظم رئيس في مجال الوظائف خلقه الله على الإطلاق" كما اقترح منع مواطني دول الشرق الأوسط التي تشهد حروبا من دخول الولايات المتحدة فيما يمثل تعديلا لدعوته السابقة لحظر دخول المسلمين.
وروج ترامب لنفسه باعتباره يمثل قصة النجاح المثلى. فقد كان يواعد الجميلات وتزوج ثلاثة منهن وكان له برنامج تلفزيون الواقع الخاص به وأقام ناطحات سحاب تحمل اسمه بحروف ذهبية كبيرة.
وقال إن كل شيء في حياته كان الأعظم والأكبر والأفخر والأنجح وذلك رغم أن الانتقادات انهالت عليه لما مر به من إفلاس وإخفاق نوادي القمار التي أنشأها في أتلانتيك سيتي بولاية نيوجيرزي وما اعتبره منتقدوه تفاخرا أبداه في غير موضعه عند مواجهته بالدليل على أنه تهرب من دفع ضرائب.
وقد سبق أن فكر ترامب في خوض انتخابات الرئاسة ورأى البعض في بداية الأمر في مسعاه شعورا بالخيلاء لإشباع إحساسه بتضخم الذات وتلميع اسمه التجاري.
وكان من المتوقع ألا تطول هذه المحاولة غير أنه مع تقدم الموسم الانتخابي أصبح ترامب في صدارة السباق وفاز في الانتخابات التمهيدية بالولاية تلو الأخرى رغم حملته غير التقليدية التي اعتمدت على اللقاءات الجماهيرية الضخمة وتجاهلت إلى حد كبير أنشطة الدعاية على مستوى القواعد الحزبية.
وأدرك من عينهم من مستشارين له أنه ليس بوسعهم أن يفعلوا الكثير لكبح جماحه. وهيمن الثلاثة الكبار من أولاده - دونالد جونيور وايريك وايفانكا على دائرة المقربين منه ومعهم جاريد كوشنر زوج ايفانكا.
* هجمات عبر تويتر
وهدد صعود نجم ترامب الذي كان في وقت من الأوقات عضوا مسجلا في الحزب الديمقراطي بنسف الحزب الجمهوري. وتحدت مؤسسة الحزب التزامه بالأسس التي يقوم عليها الحزب وأخذت موقفا معاديا منه.
وتحاشاه أعضاء كبار في الحزب الجمهوري أو كان تأييدهم له فاترا ومنهم الرئيسان السابقان جورج اتش. دبليو بوش وابنه جورج دبليو بوش وعدد من قيادات الكونجرس.
واستخدم ترامب تويتر سلاحا فراح يطلق الإهانات ويهزأ بمن أساءوا إليه ومن ذلك وصفه كلينتون بأنها "محتالة" ومنافسيه الجمهوريين مارك روبيو "بالصغير" وجيب بوش بأنه محدود الطاقة وتيد كروز بالكاذب.
كما استهدف أسرة ضابط مسلم بالجيش الأمريكي قتل في العراق بعد أن انتقد والده ترامب في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي. وظل ترامب يرد على والد الضابط على مدى أيام رغم نصائح من حوله بتجاوز هذا الأمر والانتقال لغيره.
وحتى أواخر أكتوبر تشرين الأول أحصت صحيفة نيويورك تايمز 282 شخصا ومناسبة وجه فيها إهانات على تويتر منذ إعلان ترشيحه.
وحفل ترشيح ترامب بالمتناقضات. فبعد أن تعهد بإعادة ما نقل من وظائف للخارج إلى الولايات المتحدة ارتدى ملابس مصنوعة في الخارج واستخدم قبعات لحملته مصنوعة في الخارج أيضا. كما أن ترامب الذي شجب ما يجلبه المال من فساد في عالم السياسة تفاخر بأنه دفع مالا لشراء النفوذ لنفسه.
ورغم استخدام عمالة غير مسجلة في بناء مشروعاته العقارية فقد تعهد وهو مرشح بإخراج المهاجرين غير الشرعيين من البلاد.
كما قال إنه لا أحد يحترم النساء مثلما يحترمهن هو لكنه وصف بأنه كاره للنساء لسخريته من مظهر منافسته المرشحة كارلي فيورينا وإشارته على ما يبدو إلى الدورة الشهرية للإعلامية ميجن كيلي بقناة فوكس نيوز التلفزيونية.
* "أنت مفصول"
وبدا أن تصرفات ترامب في حملة الدعاية الانتخابية تستفيد من خبراته في برنامج تلفزيون الواقع الذي كان يصيح فيه "أنت مفصول" مخاطبا المتنافسين الذين يفشلون في المسابقات مما كان يثير إعجاب الجمهور.
وفي كثير من الأحيان كانت خطاباته مرتجلة وكان يتفاخر فيها بكل شيء من أمواله إلى مستوى ذكائه. وحفلت خطبه بإعلانات مشكوك في مصادرها وبسوء الفهم والتصريحات الزائفة.
ولمح إلى أن بوسع نشطاء حقوق حمل السلاح التحرك لمنع كلينتون من ترشيح قضاة ليبراليين في المحكمة العليا وهو تصريح وصفته حملة كلينتون بالخطر.
وتباهى ترامب بثروته التي قدرها بمبلغ عشرة مليارات دولار رغم أن عدد سبتمبر أيلول من مجلة فوربز قدرها بمبلغ 3.7 مليار دولار ليحتل ترامب المركز 156 بين أثرياء أمريكا.
وأدلى ترامب بانتظام بتعليقات كان من الممكن أن تقضى على فرص مرشح تقليدي ومنها ما صدر عنه عندما قال إن أنصاره مخلصون لدرجة أن بوسعه إطلاق النار على شخص في الشارع الخامس في نيويورك دون أن يخسر صوتا واحدا.
وفي مايو أيار اجتذب اتهامات بالعنصرية لتشكيكه في حياد قاض ولد في الولايات المتحدة لأبوين من المهاجرين المكسيكيين كان ينظر دعوى قضائية مرفوعة عليه.
ولم يحدث أن أشار مرشح آخر إلى حجم أعضائه الجنسية خلال مناظرة. وقد شعر بالزهو عندما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "زعيم لامع وموهوب."
وسخر ترامب من السناتور جون مكين المرشح الرئاسي الجمهوري في عام 2008 لوقوعه في الأسر خلال حرب فيتنام وقال إنه يريد لكم أحد المحتجين في وجهه خلال أحد المؤتمرات الجماهيرية.
* طفل صعب المراس
ولد ترامب لأسرة ثرية في 14 يونيو حزيران عام 1946 في حي كوينز بمدينة نيويورك ليصبح رابع خمسة أولاد أنجبهم فريد ترامب -الذي أصبح فيما بعد واحدا من أكبر المطورين العقاريين وأصحاب العقارات في المدينة- من زوجته. وكان فريد ترامب هو الذي علم دونالد قيمة الدعاية للذات والتحلي بعزيمة لا تلين من أجل النجاح.
وباعترافه هو شخصيا لم يكن ترامب طفلا سهل التربية وقد قال إن والديه أرسلاه وهو في الصف الثامن إلى أكاديمية نيويورك العسكرية على أمل أن تغرس فيه الانضباط المطلوب.
ومن خلال التأجيل لأسباب تتعلق بالدراسة أو لأسباب طبية لم يخدم ترامب قط في الجيش الأمريكي لكنه قال إن المدرسة منحته "من التدريب العسكري ما يزيد بكثير على ما حصل عليه الشباب الذين يدخلون الجيش."
وبعد التخرج من جامعة بنسلفانيا اتجه ترامب للعمل في شركة والده التي ركزت على أحياء كوينز وبروكلين وستاتن ايلاند حول مدينة نيويورك وكانت تمتلك عددا يقدر بنحو 15 ألف شقة. وفي عام 1973 اتهمت أسرة ترامب بالتحيز العنصري في تأجير الوحدات السكنية وذلك قبل أن تتوصل إلى تسوية مع الحكومة الأمريكية.
ودخل ترامب مجال العمل بنفسه في حي مانهاتن بقرض يبلغ مليون دولار من والده حيث أصبح من العملاء المنتظمين في بعض من أرقى نوادي المدينة واكتسب سمعة أنه زير نساء.
* برج ترامب
وسرعان ما ترك بصمته بسلسلة من الصفقات العقارية ومشاريع التطوير العقاري ومنها إعادة بناء فندق قديم بمحطة جراند سنترال لقطارات الضواحي في نيويورك. وفي عام 1983 افتتح أبرز أعماله برج ترامب الذي يرتفع 58 طابقا ليصبح مقر إقامته الأساسي ومقرا لمؤسسة ترامب.
وأعقب ذلك سلسلة من المشروعات في مختلف أنحاء العالم من بينها ملاعب للجولف ومنتجع مارالاجو الخاص في فلوريدا وفندق ونوادي بلازا للقمار في نيويورك.
وتباين ما لاقته مشروعات ترامب من نجاح. ومن إخفاقاته مشروع جامعة ترامب وشركة ترامب للرهن العقاري وشركة طيران ترامب ومشروع ترامب فودكا غير أن تجربته مع أربعة أندية للقمار في أتلانتيك سيتي هي التي نزعت البريق عن إمبراطوريته.
وكتب تيموثي أوبريان الذي ألف كتابا عنه يقول إن ترامب أفلس في التسعينات واضطر مرتين للجوء إلى أشقائه للحصول على قروض. وقال موظف سابق إنه لولا مسارعة الأسرة لنجدة مؤسسة ترامب لكانت قد أغلقت غير أن ترامب اعترض على ذلك في كتابه "ترامب: فن العودة للوضع السابق" الذي صدر عام 1997.
ورغم أنه لم يتقدم شخصيا بطلب إشهار إفلاسه فقد دفع ركود صناعة القمار ببعض وحدات إمبراطوريته إلى محكمة الإفلاس في الأعوام 1991 و1992 و2004 و2009.
وفي حالة الإفلاس الأخيرة في 2009 حصل الدائنون الذين لم تكن لديهم ضمانات على أقل من سنت من كل دولار استثمروه. واستقال ترامب من منصب الرئيس قبل أربعة أيام من رفع دعوى إشهار الإفلاس.