بغداد- العراق اليوم:
بقلم: الفريق الركن أحمد الساعدي
الأمن في منطقة الشرق الأوسط إقليمي، محوري تتفاعل الأحداث فيه بشكل متشابك؛ فجميع دول المنطقة تتأثر بالأحداث الجارية في سوريا، وهي تمثل قلب الشرق الأوسط.
سيلقي كل ما يجري من أحداث بظلاله قريباً على جميع الدول المجاورة لسوريا دون استثناء، خصوصاً في حالة سيطرة الجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية على سدة الحكم في دمشق، مما يؤدي إلى انطلاق أحداث دموية مؤلمة لجميع دول المنطقة.
ما يجري في سوريا الآن ليس كما تصفه وسائل الإعلام بأنها جماعات تسعى للثورة ضد النظام السوري. بل إن هذا مجرد تسويق إعلامي مُدلس للحقيقة، التي تكشفت بعد المعارك في سوريا. إنه صراع محاور دولية، لكل منها أهدافه الاستراتيجية.
صراع المحاور الدولية
هذه الجماعات ليست إلا أدوات تُستخدم من قِبَل المحور الأول، المتمثل في أمريكا وإسرائيل وتركيا، والمحور الثاني، المتمثل في روسيا وإيران وسوريا. وتطرح الأحداث أسئلة مهمة، مثل: لماذا شن الإرهابيون هجومهم على المواقع السورية في هذا التوقيت تحديداً ؟، بالتزامن مع وقف إطلاق النار في لبنان، بينما لم يتوقف القتال في غزة؟ عند تحليل هذا السؤال، تتكشف الحقيقة، ليعلم العالم نتائج سقوط سوريا بيد هؤلاء.
أهداف المحور الأول
الهدف الاستراتيجي للمحور الأول هو السيطرة المطلقة على سوريا وإنهاء الدورين الإيراني والروسي في المنطقة، لتحقيق الأمن الإسرائيلي والسيطرة على البحرين الأسود والمتوسط.
أما تركيا، فهدفها التوسع، إذ تعتبر سوريا جزءًا من حصتها.
بعد الإعصار الأمريكي الذي عصف بالمنطقة وغيَّر أنظمتها السياسية، لا تزال أنقرة تحلم بعودة العثمانيين ودورهم في العالم الحديث.
كما تطمح تركيا إلى الاستيلاء على إدلب وحلب لتطويق المنظمات الكردية الساعية للاستقلال وتكوين دولة كردية كبرى.
ولذلك، تعتبر احتلال إدلب وحلب جزءًا من أمنها القومي، مع أمل وضع نظام سياسي في سوريا يدين بالولاء لتركيا.
تركيا هي التي جمعت ودربت وجهزت التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وتطرح نفسها كقائدة للعالم الإسلامي السني. وعندما طلبت تركيا من سوريا الجلوس على طاولة المفاوضات، كان ذلك مجرد مناورة سياسية؛ فسوريا تدرك جيداً ما تريده تركيا من وراء هذه الخطوة.
الدور الأمريكي والإسرائيلي
الدور الأمريكي والإسرائيلي في سوريا مصمم بدقة وفق خطة زمنية محكمة. الهدف الرئيسي لأمريكا هو إنهاء النفوذ الروسي والإيراني في الشرق الأوسط، وتحقيق الأمن الكامل لإسرائيل.
المخطط الأمريكي يسعى إلى السيطرة على منابع الطاقة في المنطقة، وإقامة "دولة كردستان الكبرى"، التي تضم أكراد سوريا والعراق وتركيا وإيران، لتكون بديلاً عن إسرائيل أو مكملًا لدورها في المنطقة، وحليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة.
أما إسرائيل، فتسعى لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات. قد تقوم إسرائيل قريباً بشن هجوم على سوريا، بحجة إنشاء منطقة عازلة لحماية حدودها، وكذلك على لبنان لإنهاء حزب الله، مع أخذ أجزاء من الأراضي اللبنانية بنفس الذريعة.
الوضع الإيراني
إيران قد تُجبر على مغادرة المنطقة، مع البقاء في حالة دفاع عن نفسها، ما لم تتعرض لهجوم مشترك من أمريكا وإسرائيل، بدعم الدول العربية.
لكن إعلان إيران دولة نووية قد يغير الموقف لصالحها.
الدول العربية
السعودية ومصر ستبقيان حليفتين مطيعتين لأمريكا وإسرائيل، تنفذان مطالبهما بدقة.
الوضع العراقي
بالنسبة للعراق، فقد اختار النأي بنفسه عن التدخل في الشأن السوري. ربما جاء هذا الموقف بناءً على تطمينات أمريكية. لكن التاريخ أثبت، كما قال حسني مبارك: "المتغطي بأمريكا عريان".
قد لا تكون الأحداث في سوريا الآن قد ألقت بظلالها المباشرة على العراق، لكن خلال السنوات الخمس القادمة، قد يجد العراق نفسه في قلب العاصفة، حيث لن ينفع الندم. يبقى السؤال الأهم: أيهما أفضل للعراق، نظام بشار الأسد أم الجماعات الإرهابية المسلحة؟ من الواضح أن نظام الأسد، رغم كل شيء، يمثل دولة يمكن التفاهم معها. أما الجماعات الإرهابية، فهي جنود العثمانيين، ولا يمكن التحاور معها.
لهذا، من الواجب دعم النظام السوري بكل الإمكانيات، لاستعادة سوريا، وبقائها دولة مستقرة، بدلاً من أن تصبح إسرائيل والإرهاب جيرانًا لنا.
٦ كانون الأول ٢٠٢٤
*
اضافة التعليق