بغداد- العراق اليوم:
افتتاحية جريدة الحقيقة فالح حسون الدراجي لم يكن الأمر عجيباً وغريباً علينا، ونحن نرى أوباش هيئة تحرير الشام يحتلون مساحات هائلة من أراضي سوريا، بدءاً من مدينة حلب الكبيرة مروراً بمدينة أدلب ولا تنتهي باحتلال مواقع مهمة في مدينة حماه، رغم أن الجميع يعرف شجاعة الجيش السوري وبسالته، لكن هذا الجيش قد تعرض للأسف إلى تراجعات تسليحية وتدريبية ومعاشية ونفسية ومعنوية لا تعد ولا تحصى.. لذلك لم يوجه له أحد سهام النقد والتجريح كما وجهت لرأس النظام وقيادات الجيش العليا .. ولذلك قلت إن سقوط مدن كبيرة بيد الإرهابيين أمر طبيعي لم يفاجئني، خاصة وأن العدو الصهيوني لم يبق على حال الجيش السوري حال كما يقال عندنا، فقد كانت الطائرات الصهيونية تسرح وتمرح في سماء الشام، فتضرب هذا الهدف وتدمر ذلك المعسكر، دون رادع أو متصد، والسبب ليس في ضعف الامكانات الفنية والتسليحية السورية فحسب، إنما أيضاً في ضعف بل و (جبن) القيادة السياسية السورية التي فضلت السكوت المذل، والاعتماد على مقاومة مقاتلي حزب الله والفصائل المسلحة العراقية، والتصديات الأرضية والجوية الروسية الخجولة ، ( وكفى الله السوريين شر القتال).. ! وهنا قد يسألني أحد القراء الكرام ويقول: أين المفاجأة إذن، إن لم يفاجئك كل هذا الانهيار العسكري السوري السريع؟! والجواب: المفاجأة التي أدهشتني كانت في هذا الصمت العربي المريع.. بل وفي هذا التأييد - المعلن والمستتر - الذي تبديه الكثير من الحكومات والشعوب العربية والإسلامية للتنظيمات الإرهابية التي احتلت مدناً سورية عربية مسلمة لا غبار على عروبتها، ولا شكوك حول إسلامها..! فالإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي مثلاً، بات يسمي هيئة تحرير الشام وبقية العصابات الإرهابية المتعاونة والمتحالفة معها بـ ( المعارضة السورية المسلحة)، وهذه التسمية لا تغرد بها القنوات القطرية كالجزيرة وقناة قطر الحكومية فحسب، إنما تسمعها من بقية القنوات العربية والإسلامية المشابهة ايضاً، متناسين أن تنظيم تحرير الشام أي النصرة، وتتظيم داعش ومن كان على شاكلتهما تنظيمات ارهابية لاعلاقة لها بالمعارضة السياسية او الثورية المسلحة قطعاً. وياليت الأمر يتوقف عند هذه التسمية أو عند الدعم الإعلامي العربي والإسلامي فقط، إنما وصل الأمر الى دعم القوى والتنظيمات السياسية والجهادية العربية ذاتها - خصوصاً التابعة للخرف اردوغان- بما في ذلك التنظيمات الفلسطينية.. !! تخيلوا مثلاً ان أحد مقاتلي حماس ظهر قبل يومين في فيديو وهو ( يبارك) لمجاهدي هيئة تحرير الشام انتصارها العظيم على الجيش السوري ..! والموجع أن هذا المجاهد الحمساوي يبعث بالتهنئة والتبريكات عبر فيديو صوره فوق أنقاض بيته المهدم من قبل القوات الصهيونية وليس من قبل القوات السورية طبعاً، رغم علمه التام أن للكيان الصهوني وأمريكا يداً وأصابع وأنفاً وشراكة في هذا العدوان الإرهابي على حلب وأدلب ويقيناً إن هذا ( الأخ ) الحمساوي لم يكن متفرداً في هذا الموقف عن بقية الحمساويين، أو المجاهدين ( الأخوانچية) في مصر وتونس والأردن وتركيا وقطر والكويت وغيرها من البلدان العربية والإسلامية.. ولعل الغريب في الأمر أن يقف هؤلاء مثل هذا الموقف الداعم والمؤيد -سواء العلني الظاهر، أو السري المبطن- من العدوان الإرهابي على سوريا، دون أن يخجلوا او يشعروا بوجع الضمير وهم يقابلون تضحيات سوريا ودعمها رغم ظروفها وحسب امكاناتها، لشعب غزة وحركة حماس في حربها مع إسرائيل سواء قبل السابع من اكتوبر أو بعده، فإي إنكار للجميل هذا، وأي جحود عجيب ؟! يبدو أن الهاجس الطائفي الكريه قد تغلب هنا للأسف على المشاعر القومية والدينية وعلى المواقف والقيم والاخلاق والتقاليد العربية المعروفة، وعلى غير ذلك من المفاهيم التي تربينا عليها.. فها هي القنوات العربية بمختلف دولها وأصولها، ومعها جميع الحركات الأصولية ووسائل إعلامها، تستدير 180 درجة نحو الطائفية المقيتة، فتتنكر بسرعة البرق إلى دماء رجال حزب الله وبقية القوى الداعمة لحماس، والمساندة لها في حربها مع الكيان الصهيوني.. وهو لعمري أمر يستحق الدراسة والتحليل العلمي والفحص السايكولوجي والاجتماعي والاخلاقي لمعرفة أسباب ذلك. إن نسيان فضل هذه الدماء والتنكر لهذه المواقف، والعودة إلى النغمة الطائفية النشاز التي كانت تعزف قبل السابع من اكتوبر، بما في ذلك التهليل والتطبيل لما فعله الإرهابيون من بشاعات في بلاد الشام، وتشجيعهم ودعمهم على هدم حسينيات الشيعة وتمزيق وحرق كتبهم وشعاراتهم في المدن التي تم احتلالها بل وتصوير هذه الجرائم في فيديوهات وبثها بزهو وغرور، لهو أمر يثير الدهشة ويوجع القلب حقاً .. إذ ماذا ستقول أم الشهيد الشيعي الذي استشهد دفاعاً عن غزة وحماس، في ما يسمى بوحدة الساحات، وهي ترى اليوم ( أشقاء ) حماس يمزقون ويحرقون معتقداتها ومعتقدات ولدها في حلب وأدلب ؟! إن تجربة داعش السوداء والمعاناة التي حصلت في فترة الطحن الطائفي يجب أن لاتعود قطعاً.. فنحن ما صدقنا سقوط تنظيم داعش ومعتقداته الطائفية العفنة، ورحيل تلك الأيام المفجعة، وعودة الوحدة والأخوة، واشتداد رباط التآخي بين الطوائف الإسلامية، لا سيما بعد ما رأينا ما رأينا من بطولات مشتركة وتضحيات عظيمة في طرد داعش من العراق، إضافة إلى ما رأيناه بعد السابع من اكتوبر، و كيف أن دماء أبناء السنة والشيعة والمسيحيين اختلطت وجرت سوية في نهر الشهادة البطولية في غزة ولبنان وسوريا أيضاً، بحيث غدا شعار (وحدة الساحات) قصيدة يتغنى بها العرب، رغم اختلاف الكثير منهم معه، باختلاف عقائدهم ومعتقداتهم الدينية والأيدلوجية.. لكن الجميع أطرب لهذا الشعار، بسبب وحدته الجامعة للمذاهب والمناطق والتوجهات.. اقول ما صدقنا ذاك حتى عادت حليمة إلى عادتها القديمة .. وأي عادة مفزعة هذه التي عادت لها السيدة حليمة ..؟! وعودٌ على بدء .. أقول: نعم، لقد فوجئت ودهشت لهذا الموقف العروبي والإسلامي بما في ذلك الإعلامي والسياسي لاسيما من قبل حركة حماس , ليس لأن جماعة حماس (خوش أوادم وما يسوونها)، بل لأنهم ضربوا (چقلمبة) سريعة جداً جداً، بحيث تنكروا لجميل وفضل الدماء قبل أن تجف بعد، وأقصد دماء الشيعة وابناء سوريا من الجيش والقوى الأخرى التي سفحت من اجل غزة ووحدة الساحات، بل إن جثمان السيد حسن نصر الله صاحب شعار وحدة الساحات لم يزل مودعاً في الأمانة، ولم يدفن حتى هذه اللحظة .. أليس هذا الجحود غريباً وعجيباً.. أم ياترى أن الأمر طبيعي وعادي عند أمة قتلت ريحانة نبيها محمد بدم بارد ؟!
*
اضافة التعليق