"الدِّببة" و"الأرانب" باتت مصدر رعب في الموصل

بغداد- العراق اليوم:  تجلس دمية الدب المحشوَّة، المبهرجة المحبوبة، فوق المتفجرات التي صُممت لتخفيها تحتها. على الأرجح، سيمر البالغون بها بسلام، لكن طفلاً لن يقدر على مقاومة العينين الواسعتين والفراء البرتقالي، وفق ما نشره هافينغتون بوست عربي.

يقول العقيد نوزد كامل حسن، المهندس بالقوات الكردية: "لماذا تستخدم (داعش) شيئاً لطيفاً مثل الدب أو الأرنب؟ يستخدمون هذه الألعاب لأنهم يعلمون أن البيشمركة لن يلمسوها، لكن الأطفال سيفعلون". يقول إن وحدته أزالت أكثر من 50 طناً من المتفجرات من المناطق التي كانت خاضعة لمسلحي "داعش".

قرر حسن؛ إذ يحاول تحالفٌ واسع من القوات طرد "داعش" من الموصل - آخر معاقلها الكبرى في العراق - أن يحتفظ ببعضٍ من أكثر القنابل المصنّعة يدوياً ابتكاراً، وقسوة، وغرابة، ليستخدمها في تدريب المجندين الجدد على واحدة من أخطر الوظائف في العالم.

المتفجرات تعطينا درساً عن أعماق الابتكار، والذكاء والموارد التي تكرسها "داعش" لنشر الجريمة والخوف، حتى وإن لم يعد مقاتلوها قادرين على إرهاب الناس بأنفسهم، وفق قول الضابط.

ويضيف حسن: "لقد خلقت الجماعة في المناطق، التي حكمتها فترة طويلة بما فيه الكفاية لزراعة ما يكفي من القنابل، عالماً موازياً مظلماً، يُمكن فيه للأشياء العادية أن تقتلك؛ لعبة أطفال، أوراق اللعب، أو ساعة مهجورة؛ كلها أغراض مفخخة مصممة لإثارة الفضول المكتسب لمواطنٍ عائد، ليشوهه الانفجار أو يقتله".

كل شيء مفخخ

خرطوم مياه عادي ممتد على الطريق هو قنبلة أخرى بسيطة، لكنها مبتكرة؛ كومة من الملابس القديمة يمر عليها كلب أو قطة بسلام، لكنها تنفجر عندما يلتقطها أحد ليستعيدها أو يرميها بعيداً؛ كومة من الطين والحصى هي مدفع هاون مخبَّأ. قطعة مُلقاة من الخشب المضغوط تفعّل قنبلة عندما يلتقطها أو يركلها أحدهم؛ إذ تنزلق كرات البلي من خلال أنبوبة لتكتمل الدارة الكهربائية وتنفجر القنبلة. كل ما يحتاجه الأمر لتحويل باب إلى سلاح مميت هو قطعة من الشريط اللاصق، ومقبض، وسلك مفخخ.

إن خبرة "داعش" مع المتفجرات واستخدامها الواسع للقنابل الانتحارية والفِخاخ يجعلان مهاجمتها أمراً خطيراً، ويقللان من معدلات التعافي بعد هزيمتها. يخشى الكثير من العراقيين من أن العودة إلى منازلهم قد تكون مميتة، حتى بعد رحيل المسلحين بوقتٍ طويل؛ لأن الجماعة لن تدع منطقة، عسكرية أو مدنية، دون أن تُغرقها بالمتفجرات.

في مدينة سنجار - مركز الأقلية اليزيدية التي تعرّضت لبعضٍ من أفظع أعمال "داعش" - أخرج رجال حسن 5 أطنان من المتفجرات من مدرسة واحدة. وحدة المهندسين التي يقودها، قوةّ الدعم الأولى، كانت تعمل في المناطق الموجودة غرب الموصل لقرابة العامين.

لا بد أن يشك الرجال في كل كومة من الحصى أو الركام، كل باب أو نافذة، وحتى أي شيء ملقىً أو مهجور، يحْذرون قناعتهم واطمئنانهم بقدر ما يحذرون القنابل نفسها.

إمكانات محدودة

يقول: "كل يومٍ هناك جهاز جديد. بعض رجالنا تخلصوا من أشياء لم يرها قط الآخرون من قبلُ". لا يحظى رجاله سوى بمعدات حماية قليلة. قُتل منهم اثنان وجُرح 15. وتُعد مدرسة التدريب، التي أنشأتها وحدة العقيد حسن بمساعدة من الجيش الفرنسي، محاولة لتقليص الخسارة، عن طريق تعليم المجندين التعرف على قنابل "داعش" وإبطالها، وأيضاً إعطائهم فكرة عن قدرات القوات التي سيقاتلونها.

معركتهم غالباً ضبابية تعتمد على الفطنة؛ إذ يحاولون العثور على قنابل مزروعة قبل أسابيع، وربما شهور، وإبطال مفعولها. لكن المهندسين يقومون كذلك بإزالة الألغام أمام القوات الزاحفة التي يُحتمل أن تواجه "داعش" وصناع القنابل من قرب.

عند مدخل الغرفة الأولى من مدرسة حسن، هناك اثنان من هؤلاء "المقاتلين" في سترات انتحارية وحقائب ظهر مفخخة، يُعطونك لحظة من صدمة تبلغ الأحشاء. في الواقع، هي مجرد تماثيل، لكن القنابل حقيقية، مأخوذة من مقاتلين جرحى. تجعل الأقنعةُ التي تغطي وجوههم منظرهم أقرب إلى الحقيقة. وبجانبهم معلّق علم "داعش" المأخوذ من منطقة محررة، وإطار زجاجي يحمل صفوفاً من القنابل والصواريخ التي صُنعت ارتجالياً من عبوات الغاز والبراميل.

طناجر متفجرة

ثمّ تبدأ صفوف القنابل المختلفة: هناك القنابل المخفية بذكاء، والمصممة لقتل ضحية واحدة، وهناك أخرى مصممة لبتر وقتل المزيد. بعضها مصمم للقتال المباشر وتحتاج إلى مقاتل يفجرها من قرب، مثل ثلاثية طناجر الضغط الخاضعة للتحكم عن بُعد، التي يُمكن تفجيرها على مراحل لإيذاء مجموعة من المهاجمين أولاً ثم القضاء على منقذيهم. يشرح حسن" "صُممت هذه القنابل آخذة في الاعتبار الانفجارات الثانوية". بعضها الآخر يمكن التحكم فيه بواسطة الهواتف الجوالة أو الأسلاك.

ربّما أغلب القنابل مصممة لتقبع منتظرة ضحاياها. أكثرها شيوعاً، عبوات صفائح الضغط الناسفة، حتى إن المئات منها ملقىً في كومة عند مدخل الفصول. للعين غير المدربة، تبدو تلك القنابل الرفيعة الملفوفة في الأسلاك أشبه بتجهيزاتٍ لإضاءة شقة. البعض الآخر يُصنع من طناجر الضغط والرولمان، وألواح الخشب وزنبرك الأسرّة، وقدور المتفجرات والأسلاك المفخخة. الخطر موجود في الأماكن المفتوحة وكذلك في المباني وعلى الطرق.

يُمكن للأسلاك المطلية باللون الأخضر والمخبأة في العشب أن تنفجر بلمسة واحدة. مدافع الهاون الملطخة بالوحل والمزيَّنة بحصىً كاذب توضع على سهل ترابي تلفه الرياح حيث الطبيعة تتآمر لتخفيها أكثر. قليلٌ من الأجهزة يستهدف المهندسين أنفسهم - أعداء "داعش" اللدودين بسبب عملهم في طليعة العمليات البرية وإزالة الفخاخ المميتة في المناطق المحررة.

"أسوأ من الحيوانات"

يُشير حسن إلى لغمٍ صغير سهل التتبع، هو في الواقع فخٌ يخفي تحته صفيحة ضغط مفخخة. يشرح: "عندما يذهب المهندس لتفكيك هذا اللغم، سيدوس على الصفيحة الأخرى وستنفجر فيه".

تكبر المجموعة مع كل مهمة تقريباً، ويخشى حسن أنّ تتوقف دون أن تحرم "داعش" من المساحات والمصادر التي تمكنها من التفكير في طرق جديدة للقتل.

يقول، ممسكاً بالدب المفخخ في اشمئزازٍ: "إنهم ليسوا حيوانات. إنهم أسوأ من الحيوانات".

علق هنا