كيف استقبلت الموصل ساعة الصفر؟

بغداد- العراق اليوم:  لم يسمع غالبية سكان الموصل إعلان بدء معركة استعادة المدينة من "داعش" عبر بيان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي بثه في الساعة الأولى ليوم 17 تشرين الأول (اكتوبر) الجاري، بل ان الخبر وصلهم من فوهات المدافع التي دوت في جهتي الشرق والشمال.

المدافع تشعل الخوف والأفراح

استيقظ الموصليون على اللحظة التي ترقبوها لأكثر من سنتين واربعة شهور وقد اشعلت في قلوبهم مشاعر الفرح رغم انهم مقبلون على معارك وحرب شوارع قد تكون طاحنة.

ام احمد (52 عاما) معلمة تقيم في حي الميثاق شرقي الموصل، واحدة من آلاف السكان المحليين المحتفلين ببدء المعارك، تقول لـ"نقاش" عبر اتصال هاتفي "استيقظنا على دوي انفجارات غير عادية استمرت حتى الفجر، ميزها زوجي بانها قصف مدفعي لأولى عمليات التحرير، واكد توقعاته صوت المذيع الذي كان يكرر خبرا عاجلا".

"في الصباح الباكر طرقت باب الجيران وبشرتهم بالنبأ السعيد فتبادلنا التهاني بفرح غامر كما نفعل في ايام الاعياد"، تضيف ام احمد التي قتل التنظيم ابنها قبل شهرين لاتهامه بالانتماء الى فصائل المقاومة.

البيان الذي ألقاه العبادي كان له وقع حسن بين السكان المحليين لأنه حدد القوات التي ستقتحم المدينة، "الجيش العراقي والشرطة الاتحادية فقط"،

الخوف والترقب حاضران ايضاً، ثمة تساؤلات يتبادلها ابناء المدينة عن سلامتهم في "معركة عالمية" لم تشهدها الموصل من قبل، يشارك فيها نحو (60) دولة لطرد التنظيم المتشدد.

ثمة خوف آخر اشتعل في قلوب عائلات عناصر "داعش" المحليين بسبب المصير المجهول الذي ينتظرهم واحتمال تعرضهم للانتقام بجريرة أبنائها، لذا سارع الكثير منهم الى مغادرة الموصل تجاه الضواحي والقرى او اللجوء الى احياء اخرى.

"ترتيبات اللحظة الأخيرة"

رغم أن التنظيم المتشدد الذي يحتجز نحو ( 1.5) مليون نسمة تصرف على نحو اعتيادي في اليوم الاول للمعركة التي تدور رحاها على بعد (15 كلم ) شمال وشرق الموصل، الا ان الواقع فرض نفسه بقوة، الناس هرعوا الى الاسواق يشترون مواد غذائية لخزنها في المنازل تحسبا لحصار قد يستمر لأسابيع.

حديقة منزل الحاج إبراهيم البدراني تحولت الى مستودع للماء بعدما وضعوا فيها خزانا كبيرا خوفا من توقف مشاريع ضخ الماء، كما انتخب الحاج غرفة مناسبة لكي تلجأ اليها عائلته اذا ما وصل القتال الى الاحياء السكنية، واحكم اغلاق نوافذها وجعل مخزن المواد الغذائية قريبا منها، على هذا النحو يستعد الغالبية الساحقة من السكان.

هذه الاحتياطات يتم اتخاذها بجهود ذاتية بعد تضاؤل فرصة النزوح، داعش يمنع مغادرة السكان ليجعل منهم دروعا بشرية بهدف عرقلة تقدم القوات العراقية وتقييد طيران التحالف في تنفيذ غاراته، كما ان القادة الامنيين العراقيين يحثون السكان على البقاء في منازلهم اذ لا تتوفر مخيمات مهيأة لاستقبال موجات نزوح مليونية.

بعد (48) ساعة من بدء العمليات العسكرية التي نفذتها قوات البيشمركة بدعم طيران ومدفعية التحالف الدولي اعلن رئيس اقليم كردستان العراق مسعود برزاني تحرير (200كم2)، وفي اليوم الرابع من المعركة تمكن الجيش العراقي الذي يقاتل لأول مرة في خندق واحد مع القوات الكردية من تحرير "برطلة" اول بلدة مسيحية. أي ان القوات العراقية أصبحت على بعد سبع كيلومترات عن مدينة الموصل.

سهل نينوى شمال وشرق الموصل هو مسرح العمليات الرئيس، وهذه المنطقة خالية تقريبا من سكانه لان غالبيتهم العظمى مسيحيون وشبك وايزيديون سبق وان هجرهم المتطرفون.

 

التنظيم المتطرف اعاد نشر عناصره داخل المدينة، نقاط تفتيش ومقاتلون مدججون بالسلاح على امتداد الطرق الرئيسة وعلى نحو لا يجعل منهم هدفا دسما لطائرات التحالف الدولي التي ترابط على مدار اليوم في سماء الموصل، بحسب ما يؤكد سكان محليون.

وما يلفت الانتباه ان المسلحين المتطرفين ارتدوا اللثام للمرة الاولى منذ سقوط الموصل بيدهم في حزيران يونيو 2014، انهم لا يقاتلون الجيش والبيشمركة والتحالف الدولي فحسب بل يخشون انتفاضة داخلية.

عيون داعش لاتفارق السكان المحليين ورغم ان وسائل المقاومة ما زالت محدودة التأثير وغير حاسمة هناك من يعول على اندلاع انتفاضة بمجرد وصول القوات العراقية للموصل، مثلما حدث قبل يومين في قرية الحود جنوب المدينة.

القوات العراقية استعادت القرية قبل يومين بمساعدة اهلها الذين هاجموا مقاتلي داعش عند اقتراب القطعات. "هاجمونا من الخلف بأسلحة خفيفة فارتبكنا وتشتتنا، ثم اضطررنا للفرار مخلفين وراءنا بعض القتلى"، الكلام لمقاتل في التنظيم أصيب في الحود ويرقد الآن بمستشفى الموصل، احد اقاربه نقل ما قاله لـ"نقاش".

في اليوم الثاني من عمر معركة الموصل صلب تنظيم "داعش" ثلاثة شبان على جسر الحرية في المدينة بتهمة التخابر مع القوات الامنية العراقية وتزويدهم بمعلومات عن تحركات ومواقع مقاتلي التنظيم، "ابقوهم ثلاثة ايام ثم أنزلوهم" يؤكد شاهد عيان عبر اتصال هاتفي.

"ثمانين وليس آمين"

هزيمة داعش امر محسوم، وما يفعله مقاتلوه في جبهات القتال او داخل المدينة محاولة عقيمة لتأجل نهايتهم، اصوات الخطباء المتشددين بُحت منذ خمسة ايام وهي تدعو الله في الجوامع ليل نهار لكي ينصر "دولة الخلافة على الكفار"، وعلى المصلين من ابناء المدينة أن يقولوا "آمين" والا عوقبوا، لذا ابتكر بعضهم طريقة فكاهية لتجنب التأييد والعقاب في الوقت ذاته فإنهم يرددون: ثمانين . بدلا من آمين.

علق هنا