التعافي الوطني حلم أم مشروع

الفساد في العراق كالماء والهواء ، لا يكاد ينفك عن حديث اي مجموعة عراقية ولو كانوا ثلاثة ، لقد اصبح الفساد ثقافة متداولة والزاد اليومي للعراقيين، الكل يتحدث بها ويناقشها والكل يضع لها الحلول ، والأدهى من ذلك. ان الفاسدين انفسهم يحدثونك عن الفساد ويذرفون الدموع من اجل الإصلاح ، حتى تكاد تصدقهم للوهلة الاولى، هنا تنتابك موجة من الشك وسؤال : هل فعلا ً نحن نبحث عن طريقة للتخلص من الفساد ام ان كلامنا مجرد أماني ؟، وهل الأمنيات كافية للتعافي من سرطان الفساد؟ ، لاسيما وأننا نردد عجز البيت الشهير ( التمني رأس مال المفلسين) . فيجب علينا ان لا نكون مفلسين ونقوم بفعل. وليس كافيا ان نتفاعل وننفعل فقط بل علينا الفعل من خلال برنامج واضح ومحدد. 

برنامج التعافي الوطني ليس حلما ً في غفوة ليل أو حديث مقهى بل هو مشروع له ألياته المحددة ، وسياسات وإجراءات تتعلق بتعديل سير الوطن بالاتجاه الصحيح. لان الفساد ليس ظاهرة سياسية بل ظاهرة اجتماعية علينا معالجتها ضمن برنامج يبتدأ في تصحيح المفاهيم المتداولة في الشارع العراقي ، مثل مفهوم الوطنية والوطن ، ومفهوم النزاهة ، ومفهوم التدين ، ومفهوم الشراكة ... الخ

ولعل اهم مرتكزات مشروع التعافي الوطني هي 

اولا : الاعلام

واحد من العوامل التي دمرت المجتمع العراقي هو الاعلام المنفلت والفوضوي الذي لن تجده في أي بلد من بلدان العالم. فهو يعمل دون أي ظوابط أو شروط مهنية فليس هناك ميثاق شرف يحدد صيغة العمل الاعلامي في العراق. بدأ ً من توحيد المصطلحات العالمية وليس انتهاءاً بالتحريض والسباب . فلابد من وضع برامج ومحددات واشتراطات لكل المؤسسات الاعلامية سواء كانت فضائيات ام صحف او إذاعات، فليس من المعقول ان القنوات الفضائية العراقية لم تتفق على سيادة البلد . 

ثانيا : توحيد المشتركات الوطنية ، وخلق هوية وطنية موحدة للعراقيين وذلك من خلال تعريف الحالة الوطنية سواء للمفاهيم الحزبية او لصلاحيات المكونات وحدودها أو لعلاقات العراق الاقليمية او الحشد الشعبي او العلم الوطني . فهناك تضارب كبير بين العراقيين في كثير من المفاهيم مثلا ً البعض يعتبر العلم العراقي مقدسا وهو رمز وطني يجب احترامه والبعض الاخر يرى عكس ذلك وكذلك بقية المفاهيم مثل الحشد الشعبي البعض يعتبره مليشيا والبعض الاخر يعتبره مقدسا لا يمكن المساس به ، وهنا اتحدث عن اعلام ومسؤولين حكوميين وليس المواطن العراقي العادي. 

ثالثاً : توحيد الخطاب السياسي ووضع اشتراطات على تصريحات النواب والوزراء ، فالمؤسسات الحكومية هي إطار شامل وجامع لكل العراقيين ولها رؤيتها وبالتالي يجب على من يعمل في هذه المؤسسة ان يتحدث ضمن رؤيتها وهذه ابسط قواعد العمل الحكومي . وكما هو معمول به في كل دول العالم. 

رابعا : حصر السيادة بيد الدولة وعدم السماح بتوزيعها على المكونات ، فيمكن ان توزع المناصب الحكومية لكن السيادة هي العامل المشترك الذي لا خيار فيه وهو ان يكون واحد موحد ، بمعنى ان هناك سيادة على الحدود والمطارات والموانئ وكذلك سيادة على القرار الحكومي والعلاقات الخارجية وتوزيع الثروة وهذه مشتركات وطنية لا يمكن التسامح بها .

خامسا : استبدال ثقافة التغالب بين العراقيين الى ثقافة التنافس . 

ومن بعد ذلك يمكن ان نتحدث عن الإصلاح فنصلح التعليم والصحة والمرافق الاخرى . فمرحلة الإصلاح تأتي بعد مرحلتي التأهيل والتعافي الوطني ، فالاصلاح هو عبارة عن مسكن للألم وليس علاج حقيقي للفساد ، فليس هناك خلل في العملية السياسية بل هناك تعفّن وسرطان لا يمكن معالجته الا من خلال الاستئصال للمفاهيم التي بنيت عليها العملية السياسية ، وهذه ليست دعوة للثورة او تغيير النظام السياسي بل هي دعوة لاستئصال الورم لكي يعيش بقية الجسد بصحة وعافية، لذا سميته مشروع التعافي الوطني . 

فكثيراً ما يردد البعض كلمة الإصلاح او التصالح ويعتقد انها الحل المثالي للمشكلة في العراق . ولكن الحقيقة ان مشروع التعافي الوطني هو الأصح من حيث المفهوم ، وهو مشروع يقض مضاجع المخلصين من أبناء هذا البلد لأنهم مؤمنون بوطنهم ومؤمنون بقدرات الشعب العراقي الذي اثبت انه يعشق ارضه ولكنه يفتقد للبرنامج. ولذا يجب ان لا يكون مشروع التعافي الوطني حلما وأمنيات بل واقع عملي . 

علاء الخطيب

 

علق هنا