عالم أمريكي يكذب إدعاءات واشنطن حول كيماوي خان شيخون

متابعة - العراق اليوم:

صدر البروفيسور تيودور بوستول ، أستاذ العلوم والتكنولوجيا وسياسات الأمن القومي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ، تقريرا للتعليق على التقرير الاستخباراتي الصادر عن البيت الأبيض ، في الحادي عشر من أبريل الحالي ، بخصوص حادث الانتشار الكيميائي لغاز الأعصاب في بلدة خان شيخون بإدلب في سوريا ، جاء التقرير في 14 صفحة وقام على فحص نقدي دقيق لتقرير البيت الأبيض وما ورد فيه من أدلة، وخلُص إلى ضعفها البالغ اعتمادا على فحصها ، كما أكد بالأدلة المضادة أن الحادث كان متعمدا من جهة على الأرض قامت به عمدا ، وبخلفية عمله سابقا كمستشار لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وبمناظرته لتلك الأدلة بمنهج علمي قام بتطبيقه على تقرير البيت الأبيض بصفته متخصصا – أيضا – في الصواريخ وصناعتها ، في صدارة التقرير وقبل التناول التفصيلي لأدلة البيت الأبيض يشير بوستول إلى نقاط مبدأية هي:

 

ـ لا يوجد دليل واحد في تقرير البيت الأبيض على أن حادث خان شيخون نتج عن مقذوف تم إسقاطه فعليا من الجو ، وبالتالي فاتهام الدولة السورية بارتكاب الحادث غير صحيح ، وعلى العكس فثمة مؤشرات بالغة القوة (سيأتي ذكرها) أن المقذوف انفجر وهو موضوع أرضا.

 

ـ الحفرة التي يتناولها التقرير بالصورة والتحليل على أنها ناتجة عن إسقاط المقذوف من الجو لا يمكن منطقيا بأي حال أن تكون كذلك ، نظرا لقُطرها وعمقها.

 

ـ مجمل “استنتاجات” تقرير البيت الأبيض قائمة على صور فوتوغرافية هي بمثابة “أدلة” يستشهد بها ، ولكنها في الحقيقة تثبت عكس تلك الاستنتاجات بمعاينتها بدقة وبوضعها في سياقها.

 

أبرز أدلة تقرير بوستول

 

أولا: الطقس والتوقيت المثاليَين تفصيليا

 

بمناظرة الموقع الجغرافي للحفرة الناتجة عن الانفجار الحادث في الركن الشمالي الشرقي من خان شيخون ، وقراءة معطيات الطقس يومها ، وفي توقيت الحادث (الصباح الباكر للرابع من أبريل) شاملةً اتجاه الرياح وسرعتها ودرجة الحرارة ، وجد بوستول أن الحادث جاء في الطقس المثالي تماما لتحقيق انتشار كثيف لغاز الأعصاب حين إطلاقه من حيث: الرياح البطيئة (متوسط سرعتها 2 متر في الثانية في الثالثة صباحا و 1.5 متر في الثانية في السادسة) ، والحرارة المنخفضة (من 10 إلى 12 درجة مئوية بملاصقة الأرض) ، وتكثّف الغيوم.

 

في حال جوي كهذا يظل الهواء البارد الكثيف قريبا من الأرض ولا يتحرك للأعلى ، مما يتسبب بالتالي في استمرار أي نوع من الرذاذ المرشوش – مثلا – أو الغاز قريبا من الأرض ، بينما يتحرك الهواء المحيط به فوق الأرض مباشرةً ناشرا إياه في مستوى منخفض.

 

يقول بوستول ، ضاربا المثل: إننا نشعر بحركة كتلك حين نتعرض لنسيم لطيف في صباح بارد الطقس قبل شروق الشمس ، وبمقارنة تفاصيل طقس اليوم الذي تم فيه الحادث بتوقيته خلال اليوم على وجه الدقة ، باليوم السابق له وباليوم اللاحق (الثالث من أبريل والخامس منه) ، وجد بوستول أن الطقس يومها شهد العوامل المثالية لنشر غاز الأعصاب على مساحة كبيرة ومنخفضة الارتفاع ، أي ملاصقة للأرض نظرا لطبيعة الرياح في ذلك التوقيت ، ففي حالة الرياح الأكثر ارتفاعا ، وهو ما تحقق في نفس توقيت الحادث في اليومين السابق واللاحق إذ كانت الرياح مرتفعة ، سيكون نشر الغاز غير مؤثر ، إذ سيرتفع نحو طبقات الجو العليا بعيدا عن الأرض ، مما سيفقده الانتشار ومن ثم التأثير القاتل على المحيطين ، يقول بوستول إن كون الحادث قد وقع في ذلك اليوم على وجه التحديد وفي تلك الساعات منه ، وليس في اليوم السابق أو اللاحق ، يفضي بديهيا إلى أن التوقيت تم “اختياره” بعناية ليوقع أكبر قدر ممكن من الضحايا ، أي لم يكن “حادثا” أصلا وإنما تم عن عمد.

 

ثانيا: الأنبوب مصدر التفجير

 

يقول بوستول إن مصدر نشر غاز الأعصاب (السارين) طبقا للصور الواردة في تقرير البيت الأبيض هو أنبوب اسطواني قُطره 122م.م مشابه تماما لذلك المستخدم في صناعة صواريخ المدفعية، ويصفه بـ ”أداة نشر غاز السارين بدائية الصنع” ، وبمناظرته للصورة رقم 3 بالأسفل يخلص إلى استنتاجات ثلاث: أولها أن الأنبوب تم لحامه في صنعه من طرفيه الأمامي والخلفي ، وثانيها أنه “موضوع” بشكل مسطح تماما داخل الحفرة التي يُفترض أنه أحدثها ، وثالثها أن به كسرا تسبب في انقسام قشرته المعدنية الخارجية من الواضح أنه تم إحداثه بضربة تفجيرية من الخارج ومن زاوية عليا ، مما تسبب في انكساره إلى الداخل ، ويذهب إلى فرضية ، يدعمها اتجاه الكسر وطبيعته وزاويته “الطولية” في هيكل الأنبوب الاسطواني ، يقول فيها إن مرتكب الحادث قد عمد إلى استخدام الأنبوب كأداة لنشر غاز السارين ، من خلال ضرب أحد الطرفين الملحومين للأنبوب المضغوط المعبأ بالسارين بعيار تفجيري ، عمل كمطرقة حادة كسرت الأنبوب وتسببت في انفجار محدود له كان سببا بدوره للحفرة الواردة بالصورة ، سامحة لغاز السارين ، الذي من أبرز سماته الفيزيائية أنه غير قابل للانضغاط بسهولة ، بالانبعاث مندفعا منه ، وفقا لبوستول فإنه بوضع الأنبوب مسطحا بشكل أفقي تجمّع غاز السارين بطبيعته سابقة الذكر على جدران الأنبوب وتكتل نحو أطرافه ، ووهذا يفسر الطبيعة الطولية للكسر الحادث في هيكل الأنبوب وأيضا ذوبان أحد أطراف الأنبوب (المؤخرة) بشكل كامل ، ويشبّه بريستول الأمر بالضرب بمطرقة قوية على أنبوب معجون أسنان ، وما يتسبب فيه من عطب للأنبوب واندفاع للمعجون نحو خارجه في اتجاهات عديدة ، فيؤكد أن “الآلية” التي تم إطلاق الغاز بها تشير بوضوح إلى أن الأنبوب تم وضعه أرضا من قبل أفراد على الأرض ، ولم يتم إسقاطه من الجو قط.

 

ويعيد بوستول التأكيد كل بضعة أسطر على أن افتراضاته قائمة أصلا على فرضية أن تلك الحفرة وهذا الهيكل هما المكونات الكاملة لمسرح الحادث ، في تلميح إلى احتمالية أن يكون المشهد برمته مفبركا ليتم التعتيم به على الكيفية الحقيقية التي انبعث بها الغاز.

 

ثالثا: هجوم الغوطة 2013

 

يقول بوستول إن كلا من الصاروخ الذي استُخدم في حادث غوطةدمشق الكيميائي عام 2013 (والذي خلُص تقرير أممي إلى أن الفصائل المحاربة للدولة هي من قام به)، والأنبوب الاسطواني “أداة نشر غاز السارين بدائية الصنع” المستخدم في خان شيخون، يحملان سمات متشابهة تماما باستثناء الرأس، فالثاني هو أقرب للاسطوانة المكوّنة لجسم صاروخ عياره القُطري 122م.م والأول من نفس العيار ومن صنف يبلغ مداه على أفضل الأحوال 2 كيلومتر، وهو مدى أقل كثيرا من ذلك الذي كان يفصل القوات الحكومية السورية، في ذلك الحين، عن موقع إطلاق الغاز، ويؤكد على أن تقرير البيت الأبيض وقتها قد احتوى أيضا على أخطاء جسيمة تضعه في مصاف الهواة، وفق تعبيره، على سبيل المثال ذكر هذا التقرير أن الأقمار الصناعية الأمريكية التقطت كلا من مواقع الإطلاق ومواقع السقوط والانفجار، وهذا زيف تام لأن – والكلام لبوستول – أي محلل استخباراتي متخصص يعلم أن الأقمار الصناعية التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء يمكنها رؤية الصواريخ دون نقاط سقوطها، لأن السقوط لم تصحبه “انفجارات” بالمعنى الكامل بحجم كافِ يجعلها تظهر لتلك الأقمار، إذ يكون الغرض من الرأس التفجيري فقط إطلاق ما بداخل الصاروخ من غاز، ووقتها كان واضحا أن تقرير البيت الأبيض لم يتم عرضه على خبراء متخصصين من الاستخبارات، والآن يتكرر الموقف مرة أخرى بخصوص خان شيخون، لأنه لا يوجد محلل متخصص قد يفترض أن حفرة، كتلك التي يستشهد تقرير البيت الأبيض بها، قد نتجت عن مقذوف تم إلقاؤه من الجو، وأي محلل متخصص سيتساءل كثيرا إن كان الحطام الظاهر في صور خان شيخون حقيقيا أم تم وضعه، وكذلك سيكون هذا المحلل على يقين من أن المقذوف – بافتراض أنه ما تسبب في انبعاث الغاز فعلا – قد تم ضربه من جهة الأعلى ولم ينفجر من داخله، وكل “أخطاء الهواة” تلك تشير إلى أن التقرير، كمثيله الصادر عن إدارة أوباما بعد حادث الغوطة، لم يتم في الحقيقة فحصه وتدقيقه من قِبل الاستخبارات على عكس زعْم البيت الأبيض.

علق هنا