إيرج مسجدي في بغداد… الشخصية والدور والتوقيت ؟

باسم العوادي

عراق قوي وآمن وموحد، اول ثلاثة كلمات قالها إيرج مسجدي، السفير الإيراني الجديد عند وصوله لبغداد ،وكأن لسان حاله اراد ان يختصر على الجميع عناء البحث عن اسباب اختياره او وجودة في بغداد بهذه الكلمات الثلاث التي تمثل ستراتيجية عمله الدبلوماسي.فقد استقبلت الخارجية العراقية، رسميا السفير الإيراني الجديد في بغداد، ليباشر عملة الدبلوماسي مباشرة وسط حالة عيون كثيرة ترصد اداءه من اطراف داخلية وخارجية. تولي إيران لمجموعة من سفاراتها بالخارج أهمية خاصة جدا ومنها في بيروت وبغداد، ومن يتسنم هذه المناصب هناك لابد ان يكون له دور وتوقيت تراه طهران مناسبا في حينها. فهل جاء اختيار مسجدي ليقوم بدور معين في وقت محدد بناء على القاعدة نفسها؟الشخصية:للمرة الأولى تعترف طهران رسميا بأنها عينت مستشارا موثوقا وأعلى لقائد قوة القدس الإيرانية الجنرال قاسم سليماني، كسفير لها في بغداد، تلفزيون الكوثر الايراني أمس وفي معرض حديثه عن وصوله لبغداد وصفه بذلك، ولا يعارض العراق مثل هذه التعيينات فقد سبق ان وافق على قبول شخصية عسكرية وهو السفير السعودي ثامر السبهان، لكنها تتحفظ على طبيعة الاداء لاحقا، وذلك ما ادى الى طلب تغيير السبهان، وليس لخلفيته العسكرية.مسجدي تركيبة خبرة سياسية وعسكرية واستخبارية نادرة، فهو يعتبر في ايران احد الخبراء السياسيين البارزين مع انه رجل عسكري، الا انه من ابرز مفكري السياسية الايرانية، وله طريقته الخاصة المعروفة بالهدوء والحكمة والابتعاد عن الاضواء دائما، امتدحه الكثير من القيادات العراقية بأنه يمتاز باخلاق عاليه وتواضع ملفت وخبرة عملية نادرة ومعرفة خاصة بالعراق والعراقيين.بحكم تاريخه الطويل فهو صاحب خبره فريدة وعملية في مواجهة الفكر الايديلوجي البعثي والتكفيري بالتحديد، عمل مع العراقيين طويلا جدا من الثمانينات وتربطه علاقات صداقة بأغلب من عمل في المعارضة العراقية، كان قريبا بحكم وظيفته مابعد 2003 من اغلب القيادات العراقية من مختلف الشرائح، لذلك لم يكن غريبا ان وسائل اعلام كردية يوم اعلان اسمه كسفير جديده مرحبه به واصفاه اياه” بصديق الكرد” ومهندس العلاقات الكردية الايرانية خلال سنوات طويلة.يمتاز بعلاقات صلة وثيقة مع أغلب القيادات السنية العراقية، من ساسة ورجال دين وشيوخ عشائر، هذا ناهيك عن علاقاته القديمة جدا بالقيادات الشيعية  وقد تحدثت مصادر عن دور كبير وهام جدا له ما بعد 2014 ودخول داعش في المشاركة مع الحشد الشعبي تنظيرا ودعما وتخطيطا ومشاركة في جبهات القتال، مما يؤيد بأنه على أعلى درجات الصلة بقادة الفصائل الاسلامية الأبرز المشكلة للحشد الشعبي العراقي.باختصار فنحن نتحدث عن شخصية فوق العادة واستثنائية تمزج بين التنظير والعمل الميداني والخبرة التنفيذية الطويلة، لهذا فقد اصبح قرار تعينية محط اهتمام مراكز البحث والدراسة والاعلام العربية والخليجية منها بالتحديد.

 

الدور المطلوب:

 

بنفس حرصها على ان يكون سفيرها في بغداد استثنائي، فان طهران تحرص ايضا على ان يكون عمله ذو صبغه دبلوماسية خاصة، فلم يُعرف او يُعلم عمن سبقة من سفراء ايران في بغداد، ان تورطوا باقوال او افعال خارج اختصاصهم الدبلوماسي او ماهو ابعد منه كثيرا، واذا ما ارادت طهران شيئا فلديها من الوسائل الاخرى خارج اطار السفارة التي يتطلب ان تحافظ على مهنيتها، وانطلاقا من هذه الحقيقة برز قولان:الاول: يشير الى ان وجود مسجدي بهذه الصورة العلنية وبدرجة سفير في بغداد، اشبه بمكافئة تقاعد محترمه وان من يبتعد عن دائرة صناعة القرار الى دائرة تنفيذة سيكون محجما اكثر.

 

والثاني: يشير الى ان وجوده يكتسب اهمية خاصة وان ظروف المرحلة الحالية والقادمة تتطلب شخص بمثل مؤهلاته وعمقه وعلاقاته ليكون قادرا على اتخاذ القرار مباشرة دون الرجوع الى المراجع فيما لو اقتضت الحاجة لذلك.وعلى اجمال القولين فسيكون له دور كبير وفعال جدا لانه لم يأتي من مكان اقل الى رتبة أعلى بل جاء من مكان رفيع جدا الى رتبه موازية تختلف في الاداء والظهور لكنها تحتاج لنفس المواصفات في وقت يحتاج الى وجود راسم سياسيات مثله،  ولسي لدبلوماسي متقلي وان كان بصفة سفير.

 

وبالعودة الى ثلاثيته الاولى عراق “قوي وآمن وموحد”، يمكن فهم النظرة الايرانية للعراق خلال المرحلة القادمة، “فالقوي” واضحة بأنها اشارات الى تقارير تتحدث عن قلع ايراني عن ضعف العراق امام امريكا وتحالفاتها في المنطقة او سعيها لعودة جديدة وفق اطر جديدة، وهذا ما تنزعج منه طهران كثيرا وتحتاج ان ترى العراق قوي ــ حسب نظرتها ــ في مواجهة اي تواجد امريكي او غربي او غيره مابعد مرحلة داعش، و”آمن” دلالتها واضحة لمحاربة داعش وقهرها نهائيا وايران جزء اصيل من المعركة بالضد من داعش واخواتها في العراق وسوريا، ومسجدي احد أهم رجال هذه المعركة، و”موحد” دلالتها صريحة ايضا ولاسيما بعد الحديث عن تقسيم فدرالي جديد للعراق ما بعد داعش، او الحديث عن كركوك ، او الاستفتاء الذي يصر عليه البارزاني، وبالاجمال يمكن وصف التخوفات الايرانية بأنها تتعلق بثلاث معطيات اساسية، السعي لوجود أمريكي ثابت ومركز بعد داعش، قهر داعش نهائيا وهزيمتها ف سوريا والعراق والدفاع عن الفصائل التي شاركت في قتالها، والتخوف على الوحدة والجغرافية العراقية من التقسيم والتجزئية.

 

التوقيت:

 

ان تطور الاحداث يشير بدقة الى نهاية وجود قيادات ومقاتلي داعش على أرض العراق، وان هناك مستقبلا سياسيا سيعيشه العراق وشعبه، ومتغيرات اجتماعية وديمغرافية من الممكن أن تؤثر على طبيعة السياسة الاقليمية في المنطقة بالكامل، الادارة الامريكية الجديدة وطريقة تعاطيها مع العراق وايران، والحديث عن مشروع امريكي خاص لعراق مابعد داعش، الوضع الكردي المضطرب سياسيا وعسكريا، واقع سنة العراق ما بعد هزيمة داعش، الانتخابات العراقية المحلية والبرلمانية، الانفتاح السعودي على العراق، مشاريع التسوية المطروحة في العراق والاقليم وتأثيراتها وانعكاساتها، كل هذه ملفات تزامنت مع تعيين مسجدي، ووصوله لبغداد، وعليه ان يتعاطى معها كلها.شخصية السفير إيرج مسجدي، سيكون لها انعاكسات كبيره على كل واحد من هذه الملفات، وصفه بالهدوء والحكمة والتأني والابتعاد عن الاضواء والخبرة التنظيرية والتنفيذية ومستواه الرفيع قبل السفارة وقربه من أرفع مصادر القرار في طهران وعلاقته غير المنقطعة والمميزة بالقادة الشيعة والسنة والكرد وفهمه لعموم الواقع العراقي حتى اجتماعيا مؤشرات توحي بأنه سيكون مميز جدا في طريقة صنع القرار مما يؤكد على فترة قادمة مستقرة ومتوازنه في الملفات المشار اليها.

علق هنا