أهالي الكريعات وزيارة الإمام موسى بن جعفر  عليهم السلام !!!

بغداد- العراق اليوم:

جبر شلال الجبوري

 

يفتخر  أهالي الكريعات  بأنهم يعيشون بجوار الإمام  موسى بن جعفر(الكاظم) وحفيده الامام محمد بن علي الجواد(ع)، لا يفصلهم عن مرقدَيهما سوى نهر دجلة، وهم ومنذ سكنوا المنطقة التي عُرفَتْ باسمهم، يحيون ذكرى استشهادهما، وفي شهر رجب حيث شهادة الامام الكاظم يقيمون المواكب والتعزية في بيوتهم وجوامعهم وحسينياتهم ويرفعون رايات الحزن التي تدلّ على حبهم وموالاتهم للائمة الأطهار عليهم السلام، وفي ستينيات القرن الماضي حيث أدركنا تلك الفترة، كنا نعبر إلى الكاظمية في موكب كبير واحد  تحت اسم (موكب الكريعات)، يتقدمه المرحوم السيد أحمد رضا الهندي إمام حسينية الجوادَين عطّرَ اللهُ ثراه، والسيد المرحوم محمد علي الاعرجي {قد) إمام جامع الدهاليك، والسيد  الشهيد صاحب عطيفة الحسني إمام جامع الصفاء، والشيخ الشهيد المرحوم خزعل السوداني إمام حسينية الزهراء، وجمع كبير من وجهاء منطقة الكريعات والدهاليك والسبع أبكار وأهالي الحجاج وأهالي الزوية والعلومية والسريدات، وهم يشكلون كراديسَ الموكب، يرددون الردات الخاصة بالذكرى الأليمة، وكان قُرّاء اللطميات في تلك الفترة يصاحبون تلك المجاميع وينشدون (الردّات) الوطنية والحسينية والخاصة بذكرى الإمام الشهيد الكاظم عليه السلام.

  وكان من أهالي الدهاليك الرادود (حسن سويدان) هو الذي يتكفل بكتابة كلمات (الردّات)، ومن الكريعات المرحوم مهدي القصاب ،  ومن الزوية الملا قاسم حاج حمود، ولازلت أتذكر واحدةً من تلك (الردّات) التي تقول: "موسى بن جعفر عل الجسر، كوموا يشيعه نشيلة، ونغسله وانكفنه ودموعنه تغسيله)، وكان شباب ورجال تلك المواكب يسيرون على الأقدام وينتقلون إلى الكاظمية عن طريق (العِبرة) أي بواسطة الزوارق النهرية لتعبر نهر دجلة إلى الضفة الأخرى ويتجمع الناس هناك، ثمّ ينتظمون على شكل حلقات دائرية وهم يردّدون الشعارات الخاصة بالمناسبة، وكان المرحوم  (الحاج كريم عبيس ) وأولاده وأقاربه مسؤولين عن (المعبر النهري) في تلك السنين، وكان في مثل تلك الأيام يستنفر (بيت عبيس) كلَّ قواهم لخدمة الزوّار، حيث كانوا لايستوفون الأجور من الناس خلال الزيارة كما كانوا يسهرون على راحة الزوار.

 وعندما تنتهي الزيارة بعد الظهر يعود الناس إلى الكريعات ليجدوا بانتظارهم عدداً من  بيوت أبناء الكريعات وقد هيّأوا لهم طعام الغداء حيث يتوزع الناس على مضائف تلك البيوت للتبرّك بزاد الإمام الكاظم (ع)، وكان لنساء ألكريعات حصة في إقامة مآتم التعزية على مصاب استشهاد الإمام الكاظم، حيث تقام مجالس العزاء النسوية لعدة ايام وفي عدة بيوت لا تُحصى ، ولازلت أذكر عدد من ( المليات ) الله يتغمدهن برحمته وهُن يتنقلن من بيت إلى بيت لإقامة التعزيه ، فتلك المرحومه المله ( الحاجه خيريه السواري ) والحاجه ( نجيه عبيس ) والمرحومه( حجيه خجه ) والمرحومه ( حجية رحمه ) والمرحومه ( حجيه رماز مهدي حمد  )والمرحومه ( حجيه طلبه ) والمرحومه ( حجية رشوده ) حيث كان الناس يحيون مجالس النساء في بيوتهم ،

 وفي سبعينيات القرن الماضي تم منع الزيارة من قبل سلطة البعثيين المجرمين، ولم يعد باستطاعتنا الذهاب إلى الكاظمية لإحياء المناسبة الأليمة، بسبب الإجراءات المشدّده التي وضعت من قبل النظام الطائفي المقبور في منع إقامة مثل هذه الشعائر الدينية، وكانت ( العبره ) تغلق في مثل هذه الايام ، أما اليوم فقد أصبحت زيارة الإمام الكاظم من الزيارات المليونية التي تبدأ من خلال تشييع رمزي لجثمان الإمام الكاظم والذي يشارك فيه الملايين من الموالين لأهل البيت الأطهار في مشهدٍ يكاد يكون أشبه بمعجزة إلهية حيث الفرق الشاسع بين يوم استشهاد الإمام الكاظم إذ أخذ أحد المارّين على جسر بغداد ينادي: اليس لهذا الرجل من عشيرة؟ أليس هناك من يشيعه؟ أليس هناك من يغسله ويكفنه؟  فخرجت الناس في بغداد عن بكرة ابيها لتتبيّنَ من هذا الغريب؟ وبعد أن عرف الناس أنه ابن رسول الله، ضجّت  الناس بالبكاء والنحيب، حتّى أهتزّ عرش الظالم الملعون هارون اللارشيد قاتل الائمة، الأمر الذي أجبرهُ على أن يرسل مُقرَّبيه وحاشيته ليحضروا تشييعَ الجنازة.

ياليت الزمان يعود ليرى الطاغية اللعين هارون العباسي ضريحَ الإمام موسى بن جعفر، ويرى الجموع المليونية التي تتوافد عليه في ذكرى استشهاده، وليعلم الطغاة أنّ مصيرهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة.

  أمّا اليوم فمنطقة  الكريعات (منطقة الشيخ حسين الاكرع) الذي ضرب المثلَ الأعلى في كرمه، أصبحت  كلها مواكبَ للتعزية بشهادة الكاظم وهي تستقبل الجموع المليونية الزاحفة صوب قاضي الحاجات، مردّدةً شعارات الوفاء والعهد مع الائمة الاطهار، لتصبحَ اليوم مضيفاً متّصلاً مفتوحاً ليلاً ونهاراً، حيث تستنفر الناس هناك وهي تفتح بيوتها وحسينياتها لتقدم أفضلَ الخدمات للزائرين، في واحدة من المأثر الكثيرة من أبناء تلك المنطقة التي أراد لها الله أن تكون بجوار مرقدَي اثنَين من الائمة الاطهار المعصومين.

علق هنا