طه الجزراوي والرفيق (أبو رسالة).. وماعون الگيمر ..!

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة

شاهدت الكثير من جرائم (الحرس القومي) أثناء وبعد انقلاب شباط عام 1963، حين كنت فتى يافعاً لم يتجاوز الثانية عشر من العمر، ورأيت  كيف كانت هذه العصابة تقتل الرجال، وتغتصب النساء، وتذبح الأطفال، وتفعل ما لم تفعله حتى النازية في عهد هتلر ..!

ثم تعرفت أيضاً على قواطع (الجيش الشعبي) وأنا في الثلاثين من العمر.

ورغم أن المنظمتين بعثيتان، والهدف من تأسيسهما واحد دون شك، إلا أن ثمة فرقاً بينهما، يتلخص بأن جميع أفراد الحرس القومي كانوا بعثيين، عقيدة وتنظيماً و (أخلاقاً)، بينما لا تجد في الجيش الشعبي إلا نسبة ضئيلة جداً من البعثيين الحزبيين، أما بقية القوم فلا ناقة لهم ولا بعير ولا حتى (طلي)، إنما جيء بهم بالغصب.. ورغم أن عدد الجيش الشعبي قد وصل في عام 1987 إلى حوالي 700  ألف مقاتل، إلا أن أغلب هذا العدد جند بالإكراه، وليس بدافع عقائدي أو تطوعي محض حتى وصل الأمر إلى إعدام كل من يرفض التطوع في قواطع الجيش الشعبي ومقاتلة الجيش الإيراني .. 

وحتى أكون دقيقاً، فإن أفراد الجيش الشعبي من غير البعثيين، لا يكلفون بواجبات خاصة كحراسة المقرات الحزبية البعثية، أو مداهمة دور الهاربين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، كما لا يؤدون الواجبات (القذرة) كتنفيذ أحكام الإعدام وإطلاق  الرصاص بحق (المدانين) أو تنفيذ مذكرات الاعتقال  (الخاصة)، وغيرها من المهمات التي يتكفل بها البعثيون دون غيرهم من منتسبي الجيش الشعبي.. أقول هذا للتاريخ، رغم أن عائلتي الكبيرة بأفرادها وأقربائها، (نظيفة) تماماً من لوثة الانتساب للجيش الشعبي والحرس القومي. وقد يسألني سائل ويقول: كيف إذاً جمعوا 700  ألف مقاتل إذا كان (الحزبيون) المتطوعون قد لا يشكلون 100  ألف فرد ؟!

وجوابي يأتي عبر حكايتين اخترتهما من بين عشرات الحكايات والقصص المبكية والمضحكة، والتي ظل الناس يتناقلونها حتى اليوم،والحكايتان تلخّصان الطرق والأساليب الدنيئة التي مارستها السلطات البعثية في عملية التجنيد:

الحكاية الأولى حصلت في سنوات الحرب العراقية الإيرانية، حين استدعى الرفيق (أبو رسالة) أحد المواطنين الكسبة، واسمه (طارش)، ليخبره، بتهيئة نفسه للانضمام غداً لتدريبات الجيش الشعبي، والالتحاق بعد اسبوع بجبهة القتال في  قاطع البسيتين والدفاع عن (مكتسبات الثورة) .. ولأن (طارش) هو المعيل الوحيد لعائلته المكونة من زوجته وبناته الخمس، فقد توسل بالرفيق أبو رسالة لإعفائه من قاطع الجيش الشعبي، وإيجاد شخص آخر لمهمة الدفاع عن (مكتسبات الحزب والثورة)، مراعاة لظروفه الصحية وظروف عائلته .. لكن الرفيق ( أبو رسالة) أصر على موقفه الرافض، ولم تنفع معه كل توسلات الرجل، ولا تدخلات بعض (الرفاق) الذين حاولوا استبداله بشخص آخر ..

وإزاء ذلك، قرر طارش في صبيحة اليوم الثاني مغادرة منطقته والتوجه لمدينة الشعلة، والاختفاء في بيت شقيقته ريثما يغادر القاطع الى الجبهة.. لكن الرفيق أبو رسالة كان أسرع منه، فقد داهمه في داره عند الفجر، واصطحبه معه قبل أن يغادر، وينفذ مشروع الهروب إلى الشعلة، وكأنه يعلم بما كان يفكر الرجل .

وهكذا التحق (طارش) بالمعسكر، وأكمل تدريبه، وغادر مع قاطع الجيش الشعبي إلى البسيتين.. ومن سوء حظه، فقد تعرض قاطعه بعد اسبوع واحد، لهجوم إيراني كبير، سقط فيه الموقع، ووقع (طارش) ومنتسبو القاطع في الأسر .. وعندما زار مراسل الاذاعة الإيرانية أقفاص الأسر، لتسجيل رسائل الاسرى لذويهم في العراق، كان (طارش) أكثر الأسرى الحاحاً وطلباً للكلام.. قائلاً للمذيع: أرجوك لدي جملة واحدة فقط.. فتناول طارش المايكرفون، وقال: «ها رفيق أبو رسالة.. هسه ارتاحيت وفخت مو»؟!

ثم أعاد المايكرفون للمذيع الإيراني وهو يقول: (شكراً استاذ هاي هيه .. ماعندي شي)..!

أما الحكاية الثانية، والتي تداولها العراقيون كثيراً، فهي تتحدث عن زيارة طه الجزراوي، القائد العام للجيش الشعبي، لأحد قواطع هذا (الجيش) في النهروان قبل ارسالهم لجبهة الحرب، وبعد أن القى القائد الجزراوي خطابه التعبوي الحماسي، سأل (المقاتلين) ان كانت لهم طلبات أو اقتراحات،

فانهالت عليه الطلبات من كل الجهات، هذا يشتكي التجهيزات، وذاك يشتكي سوء نوعية الطعام، والاخر (اليطغات)، وذاك يطلب إجازة لاكمال احتياجات عائلته قبل الذهاب إلى الجبهة.. الخ .. فما كان من طه الجزراوي إلا أن يصيح بهم: ماهذا ماهذا .. ماذا تقولون.. انكم متطوعون للدفاع عن الوطن والحزب والثورة، وكان عليكم أن تحسبوا  حسابكم وتدبروا أموركم،  وتجلبوا حاجاتكم معكم.. وفجأه لمح الجزراوي أحد المقاتلين وهو يحمل بيده (ماعون)، فنادى عليه، وطلب منه التقدم اليه وقال (شوفوا هذا المقاتل  شلون مستعد للمعركة، حتى ماعون الفرفوري جايبه وياه .. بارك الله بيك رفيقي.. أرجو أن تشرح لهم كيف تهيأت للواجب الوطني، وكيف جبت حتى ماعون الفرفوري وياك) !!

فاجاب المقاتل مبتسماً: (والله يا رفيقي تريد الصدگ، چنت رايح من الصبح اجيب گيمر للجهال ولگفوني الرفاق وجابوني اني والماعون)!!

طه الجزراوي / القائد العام للجيش الشعبي

علق هنا