حكومة شولتس في مأزق ... ألمانيا أمام انتخابات عامة مبكرة؟

بغداد- العراق اليوم:

أصاب الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية الألمانية، الأسبوع الماضي، الحكومة الفدرالية بلعنة باتت تهدد بانفراطها، بعدما قضى بعدم قانونية توجيه أموال صندوق مساعدات الطوارئ المخصصة لجائحة كورونا عن عام 2021 والمقدرة بنحو 60 مليار يورو لمصلحة صندوق التحول والمناخ ودعم قطاعات معينة أخرى، وباتت حكومة "إشارات المرور" أمام أزمة البحث عن مصادر تمويل لسد الفجوة في موازنة عام 2024.

يأتي ذلك وسط إصرار الشريك الأصغر في الائتلاف، الحزب الديموقراطي الليبرالي، على الالتزام بكبح الديون وبتخفيضات على المزايا الاجتماعية والتنمية الاقتصادية المستدامة، في وقت يعتبر حزبا الاشتراكي الديموقراطي والخضر أن مشاريعهما ستكون مهددة. فماذا عن الخيارات في ظل هذا المأزق وانفجار التخطيط المالي برمّته بوجه حكومة المستشار الاشتراكي أولاف شولتس؟

لانتخابات عامة مبكرة

فرض التأزم الحكومي حالاً من عدم اليقين السياسي في البلاد، وبرزت تحليلات تفيد بأن ألمانيا باتت مهددة بانتخابات مبكرة مع غياب التجانس بين أطراف الحكومة الفدرالية، لا سيما أن أعضاء من الحزب الديموقراطي الليبرالي جمعوا تواقيع لإنهاء المشاركة في الحكومة الفدرالية، وذكرت تقارير في وقت سابق من هذا الأسبوع، أنه تم تجاوز عدد 500 توقيع المطلوبة، وبات على زعيم الحزب وزير المالية  كريستيان ليندنر، وفق النظام الأساسي للحزب، أن يطرح على أعضاء حزبه (نحو 75 ألفاً)، ما إذا كان ينبغي إنهاء التحالف مع الاشتراكي الديموقراطي والخضر. مع العلم أن التصويت بنعم من أعضاء الديموقراطي الليبرالي لن ينهي على الفور "ائتلاف إشارات المرور" لأن استطلاع رأي الأعضاء ليس ملزماً لقيادة الحزب. 

ونصح نائب رئيس الحزب كوبيكي المحازبين بعدم التصويت لمصلحة الخروج من الائتلاف، وقال لصحيفة "مونشر ميركور" إنه "يؤمن بالحس السليم لدى الأغلبية الساحقة من أعضاء الحزب بعدم التصويت لمصلحة الهروب من المسؤولية. والحزب لا يمكن أن يفوز بعدها بحملة انتخابية شعارها "لقد فشلنا". في خضم ذلك، برزت تعليقات تذكر بمواقف سابقة لوزير المالية ليندنرو يرى فيها أن من الأفضل ألا تحكم بدلاً من أن تحكم حكماً غير صحيح، فهل سيتصرف وفقاً لهذا الموقف؟

هذا في وقت أعلن أكبر أحزاب المعارضة الاتحاد المسيحي أنه غير مستعد للمشاركة في حكومة جديدة "لأن الأمر غير جذاب شعبياً، وفي نهاية المطاف سيواجهون كارثة مع هذه الموازنة". وقال زعيم الحزب المسيحي الديموقراطي فريدريش ميرز: "نحن في وضع يسمح لنا بخوض الانتخابات الفدرالية على الفور".

وفي هذا الصدد، أعرب الباحث السياسي كارل كورته عن عدم اعتقاده بأن عقد التحالف الحاكم سينفرط، فالأطراف الثلاثة تراجع حضورها في استطلاعات الرأي، والانتخابات المبكرة ستقلص حجمها في البرلماني الاتحادي، والخطرالأكبر على الديموقراطي الليبرالي المهدد بفقدان نسبة 5% من أصوات الناخبين التي تسمح له بالعودة إلى البوندستاغ. والأهم أن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي في ذروة حضوره وينال حالياً أكثر من 20% من الأصوات في استطلاعات الرأي، فيما شركاء الائتلاف الثلاثة لم يحققوا في أحدث استطلاع سوى ما نسبته 35% من الأصوات. وتوقع تعاوناً ديناميكياً بين الشركاء الثلاثة خلال المرحلة المقبلة. وربما سيتعين على شركاء التحالف تقديم تنازلات مريرة إذا كانوا يريدون إيجاد حل مشترك. ويدور الحديث عن التقشف أو الاستثمار لزيادة الموارد. وفي النهاية يرضخ الجميع وتكون الغلبة دائماً للمسؤولية السياسية للدولة وتبقى الحكومة، لأن ذلك لا يتوافق مع الثقافة السياسية في البلاد.

 مرحلة عجز

ودخلت الحكومة حتماً في مرحلة العجز والصدمة والتحدي لا سيما أن وزارة المالية فرضت تضييقاً على مخصصات الوزارات، وبات مطلوباً موافقة الوزير على غالبيتها، ناهيك بإدراك الجميع حجم الكارثة، وأنه ليس هناك من بدائل لتغطية نفقات موازنة عام 2024 المفترض إقرارها قبل نهاية العام في البوندستاغ، وهذا ما يدقّ ناقوس الخطر على الاقتصاد الألماني.

واعتبرت صحيفة "برلينر مورغن بوست" أخيراً، أن المشكلة وما يرتبط بها من تأثيرات على الاستثمارات ولإقامة مشاريع ذات أهمية اقتصادية والدخول في خطر نتيجة فوضى الموازنة، أعادت النقاشات في ما إذا كانت ألمانيا أصبحت مرة أخرى رجل أوروبا المريض، وهي حتى الآن من دون حل، مشيرة إلى أن هناك الكثير من التخمينات والحسابات الجارية بين الكتل البرلمانية والوزرات والمستشارية هذه الأيام. ورأت أن هناك ثلاثة خيارات مطروحة للحل: أولاً الإعلان عن كبح الديون مرة أخرى هذا العام على الأقل واقتراض الأموال لسد الثغرات. ثانياً خفض الإنفاق، لكن هذا الأمر يشعر أكبر شريكين في الائتلاف، الاشتراكي والخضر، بالتوتر لأن مشاريعهما الأساسية وبينها الدعم الاجتماعي للمواطنين وسياسات حماية المناخ ستكون معرضة للخطر، وثالثاً زيادة الضرائب، وهذا ما يعارضة الليبرالي الحر. ولكن للوهلة الأولى على الأقل لا يبدو أن أياً من هذه الخيارات ممكن من الناحية السياسية.

الاعتراف بالغش  

إلى ذلك، اعتبرت الكاتبة السياسية بترا بينزلر في صحيفة "دي تسايت"، أنه إذا كان هناك من شيء جيد في هذه الخضة السياسية الكبرى التي نتجت من قرار المحكمة الدستورية، أنها كشفت أنه من الآن وصاعداً، لا يستطيع أحد أن يزعم أن أحزاب الوسط في ألمانيا متشابهة إلى حد كبير، فالديموقراطي الليبرالي أعلن بكل ثقة "نقطة التحول" في سياسة الموازنة بعد قرار المحكمة، وعمد من دون ندم إلى وقف الإنفاق الذي كان من المفترض أن يدعم التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وقراره سيسمح له بتصحيح أخطاء الآخرين، وهو الذي يجد أن مكافحة أزمة المناخ مجرد هواية يمكن تركها، فضلاً عن عدم الاكتراث لتطوير البنية التحتية المتهالكة.

 

علق هنا