دينزل واشنطن يثير الجدل في تونس.. والسبب "حنبعل"

بغداد- العراق اليوم:

قررت شركة "نتفليكس" إنتاج فيلم تاريخي حول القائد العسكري القرطاجي حنّبعل، الذي من المنتظر أن يتقمص دوره الممثل الأمريكي دينزل واشنطن.

وبالتزامن مع إذاعة الإعلان عن الفيلم الذي سيروي حياة حنبعل والذي سيجسد دوره الممثل الأسمر دينزل واشنطن، اندلعت موجة غضب في تونس عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولدى المؤرخين.

هذا الجدل ما انفك يتسع حول مدى الالتزام التاريخي بشخصية مثل حنبعل، ووصل الأمر ببعضهم إلى اتهام المنصة بتزييف التاريخ.

وحنبعل هو قائد عسكري قرطاجي ينتمي إلى عائلة برقا البونيقية العريقة، ويُنسب إليه اختراع العديد من التكتيكات الحربية في المعارك ومازالت معتمدة حتى اليوم.

بلغ حنبعل أقصى الحدود المستحيلة لكي يهزم روما ويصبح مادة للأساطير حيث احتل معظم إيطاليا وحاصر روما 15 عامًا.

وقال المؤرخ التونسي عبد القادر السيليني لـ"العين الإخبارية" إن حنبعل لم يكن أسمر البشرة وإنه من الأغلب أن يكون لون بشرته حنطية.

وأشار إلى أن العملات النقدية المعدنية في تلك الحقبة أثبتت أن لون بشرة الأهالي لم تكن سوداء وإنما حنطية تميل للبياض.

وأكد أن حنبعل هو سليل عائلة عريقة لذلك كانت صورهم منحوتة على العملات النقدية في تلك الفترة حيث كان والده أميلكار برقا قائداً للقرطاجيين في الحرب البونيقية الأولى، وكان أخواه صدربعل وماجون من أعظم قادة القرطاجيين، وكان شقيقاً لزوجة القائد صدربعل العادل.

وأوضح أن "العملات النقدية لم تثبت أن لون بشرة حنبعل أو من تقلد مناصب في تلك الفترة استنادا للمنحوتات والتماثيل المتوفرة، كان أسود"

وأكد أن حنبعل لم يكن قائدا فينيفيا وإنما هو قائد بونيقي، موضحا أن "البونيقيين في تونس هم نتيجة لقاء سكان شمال أفريقيا بالعناصر الفينيقية التي أقبلت من الشرق من الذين غادروا صور أو جبيل أو صيدا وأسسوا مدنا على شواطئنا".

وأشار إلى أن الحضارة البونيقية ليست حضارة الفينيقيين بغربي البحر المتوسط بل هي حضارة تولدت عن احتكاك الحضارة الفينيقية الشرقية بحضارات وجدها الفينيقيون في ربوع تطل على مياه غربي البحر الأبيض المتوسط .

وأكد أن قرطاج تأسست سنة 814 قبل الميلاد وحنبعل ولد بعد تأسيس قرطاج بمئات السنين، سنة 248 قبل الميلاد.

دعوة للاحتجاج

من جهة أخرى، قال السياسي والمحامي التونسي صابر بن عمار لـ"العين الاخبارية" إنه وجه نداء إلى وزيرة الثقافة التونسية من أجل التنديد والاحتجاج على هذا السلوك غير البريء من منصة نتفليكس والمنظمات العنصرية لضرب وطمس هوية التونسيين.

وأكد أن "حنبعل لم يكن أسود البشرة والإصرار على جعله أسود هو بداية لطمس وتزييف تاريخنا وحضارتنا القرطاجية".

وتابع "أوجه دعوة للمثقفين التونسيين والمؤرخين والسلطات التونسية من أجل التنديد بهذا الفيلم الكارثي"، موضحا أن "هذا الفيلم يسلب تاريخنا ويبشر بتهجيرنا من بلدنا يوما ما".

جدل على مواقع التواصل

كما أثار تجسيد دينزل واشنطن لشخصية حنبعل جدلا كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي في تونس.

وتساءل أستاذ التاريخ بالجامعة التونسية والمؤرخ التونسي عبد الجليل بوقرة في تدوينة قائلا: "لماذا تصر شركة نتفليكس على منح دور كليوباترا في السينما إلى الممثلة البريطانية ذات البشرة السوداء أديل جيمس، ودور حنبعل إلى الممثل الأمريكي ذي البشرة السوداء؟؟؟؟".

وأوضح أنه "من المؤكد أن الملكة البطلمية كليوباترا كانت ذات ملامح متوسطية- مصرية، كما كان القائد القرطاجي حنبعل بملامح متوسطية-تونسية.. فلماذا تصر شركة نتفليكس على ذلك، في حين أن المسيح، المتوسطي-الفلسطيني، أشقر في كل الأفلام".

أما الأستاذ الجامعي بولعابة النصيري فقد كتب في تدوينة على فيسبوك يقول فيها إن حنبعل لم يكن أسود.

وأكد أن "فكرة أن حنبعل كان أسود ليست صحيحة.. وترتبط بنفس الناشطين ذوي التوجهات الأفريقية والقومية الأفريقية الذين يحاولون إثبات أن هؤلاء الأشخاص مثل المصريين القدماء كانوا من أفريقيا خاصة فى فيلم كليوباترا، فهذا يعني أنهم "سود" بالتأكيد وأنهم أفارقة ولكن الحقيقة هي أن أفريقيا قارة ضخمة بها العديد من الأعراق".

وتابع: "كان يسكن منطقة شمال أفريقيا وتحديدا في تونس (البربر) وهم اللوبيون ومن الواضح أن هؤلاء الأشخاص ليسوا (سودًا) أو (من جنوب الصحراء الكبرى) بل لديهم شعر أملس وأنوف معقوفة عالية وعظام خد عالية والعديد من الرجال لديهم شعر كثيف وبارز في الوجه والجسم".

وتابع "نحن نلقي نظرة على المصادر التاريخية المباشرة والعملات المعدنية والصور الأخرى ذات الصلة.. لقد أدرك الناس في العصور القديمة أن أفضل طريقة لتصبح سياسيًا قويًا ومشهورًا قديمًا معروفًا ومحبوبًا، هي سك العملات المعدنية التي تحمل وجهك عليها. لدينا عملات معدنية لعائلة حنبعل من الأب إلى الجد موجودة فى عده متاحف فى العالم".

وزاد: "تصور هذه العملات المعدنية صورًا فردية لأفراد تم الإبلاغ عن أنهم من عائلة حنبعل أو حنبعل نفسه، ومرة ​​أخرى نرى نفس ميزات التمثال النصفي الشهير.. الحاجب البارز، والعيون الغائرة، والأنف المعقوف المرتفع، وخطوط الخد الثقيلة وعظام الخد، والجلد المتجعد والكثير من شعر الوجه والرأس الكثيف".

وأضاف "لم تذكر المصادر الأولية مطلقًا أن حنبعل كان أسود. كتب بوليبيوس بعد جيل من ذلك ويعرف أشخاصًا لديهم روايات مباشرة رأوا وعرفوا حنبعل ولم يوصف أبدًا بأنه أسود".

من هو حنبعل؟

قاد حنبعل جيوش قرطاج في الحرب البونيقية الثانية واجتاز جبال الألب حتّى وصل إلى حوض نهر إلبه بإيطاليا متفوقًا على الإمبراطورية الرومانية.

تبرز عبقرية التخطيط الذي قام به حنبعل في عدة محطات، لعل أبرزها عبوره الانتحاري لجبال الألب، وأيضًا معركة كاناي، التي كلّف فيها الخيّالة بمواجهة الخيّالة الرّومانيّين، مع توجيه الأمر للمشاة بالتقهقر ثمّ تطويق المشاة الرّومانيّين، فأصبح الجيش الرّوماني محاصرًا بالجيش القرطاجيّ من كلّ الجهات، في حين تمكّن الخيّالة من الفتك بالخيّالة الرّومانيّين الّذين لاذوا بالفرار، وبذلك انتصر الجيش القرطاجي.

كان أبوه حملقار برقا قائداً للقرطاجيين في الحرب البونيقية الأولى، وكان أخواه صدربعل وماجو من أعظم قادة القرطاجيين، وكان شقيقاً لزوجة القائد صدربعل العادل، وصف المؤرخون حنبعل بأنه أسوأ كوابيس روما وبكاسر هيبتها وصوّره الرومان على أنه وحش يهوى القتل وسفك الدماء.

ولد حنبعل بمدينة قرطاج التي تعتبر اليوم إحدى ضواحي مدينة تونس عام 247 ق.م، وانضم بعمر التاسعة إلى الجيوش القرطاجية المتوجهة إلى إسبانيا تحت قيادة والده حملقار برقا. وبعد موت والده واغتيال زوج أخته صدربعل العادل الذي كان قائداً للجيوش اختاره الجنود قائداً لهم عام 221 ق.م، وكان يبلغ من العمر حينها 26 عاماً فقط.

وخلال قيادته لجنود قرطاج تمكن حنبعل من فرض سيطرته على كامل شبه الجزيرة الإيبيرية بما في ذلك ساغونتو إحدى المعسكرات الرومانية، الأمر الذي اعتبرته الإمبراطورية الرومانية خرقاً للمعاهدة التي عُقدت عقب الحرب البونيقية الأولى وتهديداً لوجودها.

علق هنا