كيف قد يعيد الذّكاء الاصطناعيّ الموتى إلى الحياة؟

بغداد- العراق اليوم:

يبدو أنّ برامج الذكاء الاصطناعيّ تحطّم كلّ الحدود التي قيّدت أحلام الإنسان وطموحاته طوال تاريخه. ثمّة تركيز كبير على مخاطر هذه البرامج، وهو أمر مفهوم ومطلوب. لكنّ التركيز على الجانب الإيجابيّ له ما يبرّره أيضاً. من الاختراقات الكبيرة التي قد تحقّقها هذه البرامج، وفي وقت غير بعيد على الأرجح، إمكانيّة معاودة التواصل مع الأحبّاء المتوفّين. كيف سيتحقّق ذلك؟ في موقع "بيغ ثينك"، يقدّم روس بومروي إجابة عن هذا السؤال:

منذ إطلاقه العام الماضي، تسبّب برنامج الدردشة "تشات جي بي تي" (ChatGPT) للذكاء الاصطناعيّ بإذهال العالم وإخافته في آن، بفعل معرفته العميقة وتعاطفه المفاجئ وإمكاناته في تغيير العالم بطرق غير متوقعة، ربّما إعجازيّة أو كارثيّة. الآن، أصبح من الممكن إحياء الموتى رقمياً في شكل "ثانابوتات" (thanabots) وهي روبوتات محادثة مدرّبة على بيانات المتوفى.

مشروع ديسمبر

"تشات جي بي تي" هو برنامج ذكاء اصطناعيّ يسمّى نموذج اللغة الكبير. مدرّباً على أكثر من 300 مليار كلمة من جميع أنواع المصادر على الإنترنت، يستجيب "تشات جي بي تي" لمدخلات البشر من خلال التنبّؤ بالكلمة التالية التي يجب استخدامها بناءً على كل من التدريب والنص. والنتيجة هي دفقٌ من التواصل الذي يكون مفيداً وشبيهاً بتواصل البشر. اجتاز "تشات جي بي تي" اختبارات صعبة، وأبحاثاً علميّة مكتوبة، وأقنع العديد من علماء "مايكروسوفت" بأنّ بإمكانه فعلاً فهم اللغة واستخدام المنطق.

يمكن أن يتلقى "تشات جي بي تي" ونماذج لغويّة كبيرة أخرى أيضاً تدريباً أكثر تحديداً لتشكيل استجاباتها. أدرك المبرمج جيسون روهرير أنّه يمكنه إنشاء روبوتات محادثة تحاكي أشخاصاً محدّدين من خلال إدخال أمثلة حول كيفيّة تواصلهم وتفاصيل حياتهم في "تشات جي بي تي". أطلق موقعاً على شبكة الإنترنت يسمى "مشروع ديسمبر" ويسمح للزبائن الذين يدفعون لإدخال جميع أنواع البيانات والمعلومات وإنشاء روبوتات محادثة شخصيّة خاصة بهم، حتى تلك التي تعتمد على الأصدقاء وأفراد العائلة المتوفين.

نتيجة مذهلة

وأوضح الكاتب في صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل" جيسون فاغون في مقالة طويلة نُشر في تموز (يوليو) 2021، يمكن أن تكون النتيجة مذهلة. وصف فاغون التجربة العاطفيّة لجوشوا باربو البالغ من العمر 33 عاماً والذي استخدم "مشروع ديسمبر" لتصنيع "ثانابوت" بشخصيّة خطيبته التي وافتها المنيّة قبل ثمانية أعوام. مصطلح ثانابوت مشتق من "ثانالوجيا"، أي الدراسة العلميّة للموت. تعتقد ليا هنريكسون، محاضرة في الثقافات والوسائط الرقميّة في جامعة كوينزلاند، أنّ "الثانابوتات" يمكن أن تصبح أكثر انتشاراً في العقود التالية، مع الزيادة في وفاة الأشخاص الذين لديهم سجلّات رقميّة واسعة من النصوص ورسائل البريد الإلكتروني ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعيّ.

وكتبت في مجلة "إعلام وثقافة ومجتمع" في وقت سابق من هذه السنة، أنّه "يمكن أن يتمّ توليد هذه الأنظمة من دون موافقة مسبقة من المتوفّى، أو يمكن أن تشكّل جزءاً من ‘تخطيط الملكيّة الرقمية‘ حيث يخطّط أحد ما أو يوافق على تأسيس الثانابوت الخاصّ به".

بالنظر إلى أنّ "فايسبوك" و"غوغل" و"أبل" و"مايكروسوفت" تخزّن جميعها كميّات كبيرة من اتصالاتنا الرقميّة، فمن المتصوّر أن تكون قادرة جميعها على إنشاء وبيع "ثانابوتات" في السنوات المقبلة. وبالنظر إلى أن التواصل مع الموتى كان بمثابة هوس مستمرّ عبر الثقافات البشرية، فمن المرجّح أن يكون هناك الكثير من الطلب.

القيامة الرقميّة

ترى هنريكسون وجود فوائد محتملة للثانابوتات وكتبت: "قد نكون قادرين على تقديم المزيد من الدعم المناسب لأولئك الذين يعانون الحزن، والسماح بأشكال بديلة من إدارة الممتلكات والمساهمة في فهم ثقافيّ ذي مغزى للموت".

ولكن يمكن أن تكون هناك أيضاً جوانب سلبيّة. سوف تعتمد الثانابوتات فقط على البيانات الرقمية، أقلّه في البداية. نعلم أنّ حياة الأشخاص على الإنترنت يمكن أن تكون مختلفة كثيراً عن الحياة الواقعيّة، لذلك قد لا يمثّل الثانابوت الشخص الذي صُنع لمحاكاته بدقّة. علاوة على ذلك، قد لا توفّر الثانابوتات العزاء الذي قد يأمله المستخدمون، بل يكثّف بدلاً من ذلك مشاعر الحزن واليأس.

وختم الكاتب: "نحن ندخل حقبة جديدة رائعة، حقبة قد لا يكون فيها الموت نهائياً كما كان من قبل".

علق هنا