رؤية العبادي الستراتيجية لعلاقتنا مع أميركا



 المقال الذي كتبه رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية واسعة الانتشار، استكمل فيه صياغة رؤيته الستراتيجية لعلاقة الشراكة البعيدة المدى بين العراق والولايات المتحدة وذلك بناء على رغبة البلدين ومصالحهما، إضافة لما جاء في كلمته خلال لقاء القمة مع الرئيس الاميركي ترامب والتي أشار فيها الى الأسس والركائز التي ستقوم عليها هذه العلاقة، وهي اسس أشار اليها أيضاً في كلمته وحواره مع (المعهد الاميركي للسلام) ومع المجموعة الكبيرة للشركات والمؤسسات الاستثمارية الاميركية. 

وجاء هذا المقال الذي نشر بعد انتهاء الزيارة الى واشنطن ليتوج عمق هذه الرؤية للعبادي باعتبارها حصيلة مكثفة للقاءات والاجتماعات التي عقدها في واشنطن وحدد فيها ما يجب ان تكون عليه العلاقة الستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة من خلال إقامة الشراكة المتكافئة بينهما. 

وينبغي القول هنا، ان هذه الرؤية الستراتيجية المهمة لمستقبل علاقة العراق مع واشنطن لا تقتصر فقط على المطالب الراهنة والعاجلة لدعم المجهود الحربي للعراق بمختلف أشكال الدعم وهو يخوض حربه القاسية ضد تنظيم داعش الارهابي، وانما تجاوزت ذلك بكثير من خلال توضيح طبيعة ومضمون علاقة الشراكة الواسعة وفي مختلف المجالات بين البلدين.

وخلافا لما يراه البعض في ان مصلحة العراق تتطلب اقامة تحالف مع الولايات المتحدة، او الاعتماد على دولة ضامنة (كالولايات المتحدة) لأمن العراق وسيادته وإعادة بنائه، حددت الرؤية الستراتيجية للعبادي العلاقة مع واشنطن بأنها تقوم على اقامة شراكة ستراتيجية وأساسية معها، وتوفير الاسس والبيئة الداخلية الملائمة لتحقيقها، وقد جرى التعبير عن هذه الرؤية ابتداءً برغبة الجانبين العراقي والاميركي في تحقيقها من خلال التأكيد عليها أولاً في البيان الختامي الذي صدر اثر انتهاء قمة العبادي –ترامب وقد أشار اليها العبادي بلقاءاته في واشنطن ثم استكمل توضيح مرتكزاتها ومضمونها في المقال الذي كتبه في (واشنطن بوست).

وقد توقفت معظم وسائل الاعلام المحلية عند اشارة العبادي في مقاله الى «سعي حكومته بكل طاقتهالاقامة نظام قضائي مستقل ومحايد يطبق القانون دون انحياز او محاباة «. كما أوضح العبادي في هذا المقال بشكل اساسي طبيعة أسس وركائز هذه الشراكة التي تجسد رؤيته التي عبر عنها بوضوح في مقدمة مقاله وفي أسطره الأخيرة! فقد جاء في مقدمة هذا المقال ما يلي: (اننا نرغب ونريد شراكة تشمل التعاون السياسي والدبلوماسي والدفاع والأمن والثقافة والتعليم). وتأكيداً لأهمية هذه الشراكة والاصرار على تحقيقها مع الشريك الاميركي، كشريك أساسي، ختم العبادي مقاله بالقول: (يداً بيد مع شركائنا الدوليين سنعمل على بناء عراق جديد يتجسد فيه حلم العراقيين الأزلي بفرصة العيش بكرامة وبناء حياة أفضل لأبنائنا)، وأضاف:(لقد بنى الاميركيون لأنفسهم بلداً كهذا وبمساعدتهم وبالنوايا الطيبة سوف نبني بلدنا مثلما بنوا هم بلدهم). ولكي لا تبقى هذه الرغبة باقامة علاقات ستراتيجية وشراكة اساسية مع الولايات المتدة مجرد آمال وتمنيات فقد حدد العبادي في مقاله ما هو مطلوب من أشكال الدعم والتعاون ومضاعفة الشركات الاستثمارية لأعمالها في العراق. وقد خاطب في هذا المقال ادارة ترامب بوضوح بقوله: (واليوم نطلب من الاميركيين ان يساعدونا على استعادة البنى التحتية لبلدنا وتحقيق التنوع في اقتصادنا وخصخصته بشكل جزئي، فنحن نحتاج الى الاستثمارات الأميركية لاعادة البناء في مجال الاسكان والمستشفيات والمدارس ومرافق الصرف الصحي والشوارع والطرق السريعة والجسور، كذلك يمكننا الافادة من الخبرة الفنية التي يمتلكها الاميركيون لتحقيق التوسع في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية، مثلما نحتاج الى ممولين وشركاء مساهمين لمساعدتنا على تطوير الزراعة وصناعة البتروكيمياويات وغيرها من الصناعات). ويبدو واضحاً من خلال تحديد العبادي لأشكال الدعم والتعاون والشراكة الحقيقية مع الولايات المتحدة، بأنه يريد الزام الجانب الاميركي بالأداء الجيد وعالي المستوى، وذلك خلافاً للأداء غير الجيد للشركات الصينية والبضاعة الصينية الرديئة (الخردة) بمعظمها التي غزت الاسواق العراقية طيلة العقد الماضي.

واذ أوضح العبادي مضمون رؤيته الستراتيجية للعلاقات الراهنة والمستقبلية مع الاميركان والى أسس الشراكة الاساسية معهم، فانه عمد الى إعلام الرأي العام الأميركي والادارة الاميركية، بطبيعة هذه الرؤية فيما يتعلق بدور حكومته الراهن والمستقبلي لاعادة بناء الدولة العراقية على أسس جديدة، فضلا عن طبيعة الاصلاحات الجزئية او الشاملة التي ينوي تحقيقها مستقبلاً وتوضيح السياسة التصالحية المعتدلة والمتوازنة التي يعتمدها العراق مع دول الجوار وخاصة الدول الخليجية وايران وتركيا والتأكيد على (ضمان ان لا يمارس احد من جيرانه عليه نفوذاً يتعدى ما هو مسموح له به، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرحب باستمرار مشاركة الولايات المتحدة المنسجمة مع اتفاقية الاطار الستراتيجي).

ان هذه الرؤية الستراتيجية للدكتور العبادي للسياستين الداخلية والخارجية، وخاصة لعلاقة الشراكة الأساسية والواسعة مع الولايات المتحدة للاسراع في تحرير العراق مما تبقى لوجود داعش والمباشرة باعادة بناء العراق، انما هي رؤية ناضجة وواعدة لرجل دولة. وهي رؤية لا يستطيع احد انكار اهميتها ليس من مؤيديه فقط بل وحتى من خصومه والمختلفين معه، اذا ما نظروا اليها بموضوعية وتجرد، كونها رؤية لمصلحة العراقيين والعراق.

علق هنا