طول اليوم كان 19 ساعة لا 24... ما الأسباب؟

بغداد- العراق اليوم:

يدور كوكب الأرض دورتين متزامنتين. الأولى حول الشمس، وتستغرق 365 يوماً وربع يوم. الثانية حول نفسها وتستغرق 24 ساعة. لكن في الماضي السحيق، كان طول اليوم على الأرض أقصر بشكل ملحوظ. نكتشف السبب أو بالأحرى أسباب ذلك في تقرير لموقع "يونيفرس توداي":  

على الأرض، يدوم يوم شمسيّ واحد 24 ساعة. يستغرق القمر نحو 27 يوماً لإكمال دورة واحدة حول كوكبنا ويدور على مسافة متوسّطة تبلغ 384.399 كيلومتراً. بحسب أفضل ما نعلمه، كانت الآليّات المداريّة التي تحكم نظام الأرض والقمر هي نفسها، وقد تعاملنا مع ذلك كأمر مسلّم به. لكن برز وقت دار خلاله القمر في مدار أقرب بكثير من الأرض، وكان متوسّط اليوم أقصر بكثير ممّا هو عليه راهناً.

بحسب دراسة حديثة أجراها باحثان من الصين وألمانيا، استمرّ متوسّط اليوم نحو 19 ساعة لمليار عام خلال حقبة "دهر الطلائع" (Proterozoic) وهي فترة جيولوجيّة خلال العصر ما قبل الكمبريّ استمرت من 2.5 مليار سنة إلى 541 مليون سنة مضت. يوضح هذا أنّه بدلاً من الزيادة التدريجيّة بمرور الوقت (كما كان يُعتقد سابقاً)، ظَلّ طول اليوم على الأرض ثابتاً لفترة طويلة.

أجرى الدراسة أستاذ علوم الأرض في معهد الجيولوجيا والجيوفيزياء وكليّة علوم الأرض والكواكب في جامعة الأكاديميّة الصينيّة للعلوم روس أن ميتشل وزميل الأبحاث ضمن معهد أبحاث علوم الأرض في جامعة كورتن الأستراليّة أوي كيرشر. نشرت مجلّة "نيتشر جيوساينس" الورقة التي تفصّل أبحاثهما.

خلال العقود الماضية، فحص الجيولوجيّون نوعاً خاصاً من الصخور الرسوبيّة التي تحتوي على طبقات محفوظة في مسطّحات طينيّة مدّيّة. من خلال حساب عدد الطّبقات الرسوبيّة الناتجة من تقلّبات المدّ والجزر، أمكن تحديد عدد الساعات في اليوم خلال الفترات الجيولوجيّة السابقة. لكنّ مثل هذه السجلّات نادر، وكثيراً ما كانت تلك التي تم فحصها محلّ جدل بشأن أعمارها. مع ذلك، ثمّة طريقة أخرى لتقدير طول اليوم تُعرف باسم علم الطبقات والدورات الرسوبيّة (Cyclostratigraphy) التي استخدمها ميتشل وكيرشر لدراستهما.

تفحص هذه الطريقة الجيولوجيّة الطبقات الرسوبيّة الإيقاعيّة للكشف عن دورات ميلانكوفيتش التي تصف كيف تؤثّر التغيّرات في شكل مدار الأرض (eccentricity) ودرجة ميلان محور الأرض بالنسبة إلى المستوى المداريّ (obliquity) على مناخها بمرور الوقت. في السنوات الأخيرة، كان هناك تكاثر في عدد سجلّات ميلانكوفيتش التي تتعامل مع الماضي القديم. في الواقع، تمّ الحصول على أكثر من نصف البيانات المتعلّقة بالفترات الجيولوجيّة القديمة خلال السنوات السبع الماضية فقط. سمح هذا لميتشل وكيرشر باختبار نظريّة غير مثبتة سابقاً. كما أوضح كيرشر في بيان صحافي حديث:

"ترتبط دورتا ميلانكوفيتش، البداريّة (وجهة دوران محور الأرض) (precession) وميلان محور الأرض بالنسبة إلى المستوى المداريّ (obliquity)، بتذبذب وانحراف محور دوران الأرض في الفضاء. بالتالي، يمكن اكتشاف دوران أسرع للأرض في دورات بداريّة ومَيَلانيّة أقصر في الماضي. لهذا السبب، لو كان لهاتين القوّتين المتعاكستين في الماضي أن تصبحا متساويتين مع بعضهما البعض فإنّ لمثل هذا الصدى المدّيّ أن يتسبّب في توقّف طول يوم الأرض عن التغيّر وفي أن يظلّ ثابتاً لبعض الوقت".

باختصار، تفترض هذه النظريّة أنّ طول اليوم ربما ظلّ عند قيمة ثابتة في الماضي لفترات طويلة من الزمن، بدلاً من التمدّد تدريجياً لفترة أطول.

عاملٌ رئيسيّ في ذلك هو "الجوّ المدّيّ الشمسيّ"، حيث يرتبط "دفع" الجسيمات الشمسيّة المشحونة (المعروفة أيضاً باسم الرياح الشمسيّة) بتسخين الغلاف الجوّي خلال النهار. هذا مشابه لكيفيّة ارتباط عمليّة المدّ والجزر القمريّة، الناجمة عن "سَحْب" جاذبيّة القمر، بارتفاع وانخفاض مستويات المحيط. ولكن فيما أدّت جاذبيّة القمر إلى إبطاء دوران الأرض دوراناً بطيئاً، كانت الشمس مسؤولة عن تسريعه.

في حين أنّ عمليّة المدّ والجزر الشمسيّة ليست قويّة مثل نظيرتها القمريّة اليوم، يمكن ألّا يكون الأمر قد دام على هذا المنوال في الماضي. عندما كانت الأرض تدور أسرع في الماضي، كان تأثير جاذبيّة القمر أضعف بكثير. عندما فحص ميتشل وكيرشر مجموع البيانات، لاحظا أنّه منذ ما بين مليارين ومليار سنة إلى الوراء، بدا أنّ طول النهار على الأرض قد أوقف زيادته الطويلة المدى وتوقّف عند نحو 19 ساعة. بحسب ميتشل، تُعرف هذه الفترة تناوبياً باسم "المليار سنة" أو "المليار المُملّ". الأمر المثير للاهتمام بشأن النتيجة الجديدة هو كيف حدث "المليار المُمِل" بين أكبر ارتفاعين في محتوى الأوكسجين في غلافنا الجوي

كان ذلك "حدثَ الأكسدة العظيم"، حين زادت بكتيريا التمثيل الضوئيّ كثيراً كمّية الأوكسجين في الغلاف الجوّيّ والعصر البارد (المعروف أيضاً باسم "أرض كرة الثلج")، وهي فترة جليديّة كان السطح فيها بأكمله تقريباً مغطّى بالجليد. إذا تأكدت هذه النتائج فستشير إلى أنّ تطوّر دوران الأرض مرتبط بتكوين غلافها الجوّيّ.

تدعم الدراسة أيضاً فكرة الحاجة إلى أيّام أطول قبل أن تتمكّن بكتيريا التمثيل الضوئيّ من إنتاج ما يكفي من الأوكسجين للوصول إلى مستويات الغلاف الجوّيّ المعاصرة (24 في المئة). مع ذلك، إنّ الأثر الرئيسيّ لهذه الدراسة هو كيفيّة تغيير تصوّرات علماء الفلك لدوران الأرض في الماضي أو (paleorotation). لفترة طويلة، سادت نظريّة أنّ القمر يمتصّ الطاقة الدورانيّة للأرض تدريجياً، مبطئاً الكوكب ودافعاً القمر إلى مدار أعلى، مولّداً يوماً بـ24 ساعة.

تشير هذه النتائج إلى حدوث انقطاع في هذه العملية بين مليارين ومليار سنة. كما لخّص كيرشر الدراسة:

"تتنبّأ معظم نماذج دوران الأرض بأنّ طول اليوم كان بثبات أقصر وأقصر مع العودة بالزمن إلى الوراء. ترتبط دورتا ميلانكوفيتش، البداريّة والميلان، بتذبذب وانحراف محور دوران الأرض في الفضاء. بالتالي يمكن رصد دوران أسرع للأرض في دورات أقصر من البداريّة والميلانيّة في الماضي".

علق هنا