آباء العشرين

بغداد- العراق اليوم:

مُهَنَّدْ السَّاعِدي

إنهم الآباء الذين منحناهم بيعتنا ونحن في العشرين من اعمارنا . 

لا يوجد ما هو اصعب من نقد الاباء العشرينيين، ولا يقوم النقد مقاماً يبدو فيه الناقد "عاقاً" ومتمرداً على الاباء الفكريين، مثل مقامه في نقد ومراجعة القيادات الفكرية الآسرة، للفكر والقلب والروح، التي أسرتنا، واخذت بيعتنا ، في عشرينياتنا الايدلوجية والفكرية والحزبية . 

القادة الكبار الذي نقشوا افكارهم ومواقفهم على العشرين الاولى من اعمارنا،هم قادة آباء من الصعب ان نتجرد في نقدهم بعيداً عن الهاماتهم الروحية لنا، وآثارهم التربوية علينا، ومواقفهم الجهادية العصامية التضحوية الكبرى التي بنت الثقة العمياء بهم . 

كارل ماركس ليس كتاب (راس المال )و(البيان الشيوعي) فقط، بل هو الانسان العصامي الزاهد الفيلسوف الذكي العبقري المضحي الصادق مع نفسه بغض النظر عن تقييم فكره وفلسفته التي اثرت في نصف العالم  . 

وحسن البنا وسيد قطب ليسا (حديث الثلاثاء )و(معالم في الطريق )فقط، بل التصوف والاخلاص للاسلام ،والسجون والشهادة في سبيل الله . 

والامام الخميني ليس الحكومة الاسلامية والاربعين حديث ،او قائد ثورة من عشرات الثورات التي غيرت نظاما ملكياً باخر جمهوري. فمثله كثير،ليس فيهم علمه، وفقهه، وعرفانيته، واخلاقه الملهمة، وشخصيته الآسرة. 

ومحمد باقر الصدر ليس (فلسفتنا )و(اقتصادنا )و(الاسلام يقود الحياة)، حتى نكتفي بمراجعتها مراجعة علمية واكاديمية سهلة وخادمة لتغير العوامل والنوازل . 

تختلط المنجزات العلمية والفكرية لآبائنا الحركيين، مع منجزات اخلاقية رفيعة، زرعت حبهم في قلوبنا، كما يزرع الله حب الوالدين البايلوجيين فيها . 

تعاني خطط المراجعة ومناهج النقد داخل الحركة الاسلامية ومدرستها الحزبية كثيراً، وهي تقارب او تحاسب مواقف فقهية،او فكرية، او سياسية للاباء المؤسسين، صارت مراجعتها حتماً لزاماً علينا، ونحن نسير في طريق التحديث، واعادة طرح الاسئلة الكبرى في بيئة حضارية انسانية تتطور وتتقدم باستمرار . 

تصبح الصعوبة مضاعفة ونحن نحاول مراجعة الافكار والاسماء والمواقف معاً.. ففي بيئة الجماعات والاحزاب الاسلامية الداخلية يصبح الفصل والتفكيك، بين مكانة القادة التاريخية، وتاريخانية افكارهم ومواقفهم، المرتبطة بزمان وجدوا فيه، ومكان عاشوا فيه، مهمة علمية وفكرية وادبية صعبة جداً ، وتبحث عن الابناء المفكرين الذين ينقدون ويراجعون ويستأنفون تراث آباهم العشرينين ، دون المساس بمكانتهم الروحية او مواقفهم التاريخية الكبرى. 

ومهمة اصعب منها تنتظرهم،وهم يحاولون اقناع اقرانهم، ممن وقفوا عند الارتباط العاطفي الشعبي بالقائد، او اعتبروا افكارهم محكمات مؤيدة غير قابلة للمراجعة . 

مهمة النصوص النقدية داخل مجتمع الحركة الاسلامية العالمية مهمة دقيقة في حفظ ادب المخاطبة،واسلوب المكاتبة، مع الاباء العشرينين. 

الاباء العشرينيون الذين لم يسبقهم احد الى افئدتنا الشابة الرقيقة، في ذلك الزمان الذي مضى، والمكان الذي تغير .

علق هنا