عبدالوهاب الساعدي

حمزة مصطفى

للحروب ابطالها وفرسانها. والبطل غير الفارس. كان هكتور بطل حرب طروادة مع انه لم ينتصر على الأغريق بسبب "حصان طروادة". ولم يكن عنترة بن شداد بطلا بل كان فارسا وعاشقا رومانسيا. ففي ذروة القتال الحامي رف قلبه على حبيبته عبلة التي رهنت حبها له بانتصاره في الحرب التي يخوضها قومه ضد اعدائهم فقال فيها وعنها: (ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني.. وبيض الهند تقطر من دمي.. فوددت تقبيل السيوف لانها لمعت كبارق ثغرك المتبسم). بطولة هكتور كانت للطرواديين فخلدها التاريخ في سجل المعارك برغم الخسارة. لكن فروسية عنترة ذاتية ورهنا برضا الحبيبة فاحتلت مكانتها قصيدة كتيت بماء الذهب وعلقت في الكعبة.

نابليون كان بطلا ولم يكن فارسا. ففي سجله الشخصي عثرات كثيرة, بعكس الاسكندر المقدوني الذي جمع البطولة والفروسية معا وهي من الحالات النادرة في التاريخ. مع ذلك بقي سجل نابليون العسكري ناصعا في ملاحم التاريخ برغم نهايته الماساوية منفيا في جزيرة القديسة هيلانة بعد استسلامه للبريطانيين وخسارته معركة واترلو. القائد العربي الاسلامي خالد بن الوليد كان بطلا لايشق له غبار. لكنه افتقد الفروسية في كثير من معاركه ومنها زواجه القسري من زوجة مالك بن نويرة الامر الذي حمل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الى اقصائه من قيادة معركة اليرموك.

القرن العشرون اختتم على صعيد ثنائية البطولة والفروسية بين الانكليزي المنتصر مونتغمري والالماني المهزوم رومل. لكن سيبقى التاريخ العسكري يتذكر الى عصور قادمة "ثعلب الصحراء" ارفين رومل رغم هزيمته في معركة "العلمين" امام الجنرال مونتغمري. سعدالدين الشاذلي ومحمد حسني مبارك كانا بطلي حرب اكتوبر عام 1973. مات الشاذلي ولم ير نهاية رفيقه قائد القوة الجوية المصرية حسني مبارك الذي انتهى به المطاف سجينا لم يطلق سراحه الا الاسبوع الماضي على ذنب قررت المحكمة بعد اكثر من خمس سنوات انه لم يرتكبه.

الشعوب قاسية احيانا بحق ابطالها. قد يرتكب البطل خطيئة تكلفه حياته وسمعته معا. واحيانا ترتكب بحقه خطيئة لاينصفه التاريخ الا بعد مرور سنوات او ربما عقود. في حربنا ضد تنظيم داعش ظهر ابطال بين القادة العسكريين وبخاصة قادة جهاز مكافحة الارهاب. ومن بين هؤلاء القادة كثيرا ما يجري تداول اسم قائد تحول الى ظاهرة لافتة للنظر بما يمتلكه من سجايا وخصال جمعت على نحو فذ بين البطولة والفروسية هو الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي.

استطيع القول ان فروسية الساعدي تقدمت على بطولاته برغم انه انتصر في كل المعارك التي خاضها. لم اعرف الساعدي ولم اره. كلمته هاتفيا مرة واحدة قبل سنتين بعد ان اعطاني هاتفه الصديق عبد الستار البيضاني. وبرغم ان الرجل لا يعرفني لكن حين انقطعت المكالمة هاتفني معتذرا بسبب انهماكه في قيادة احدى المعارك. وبرغم ان حب الناس للساعدي قد تجنح بخيال الكثيرين منهم الى سيناريوهات متخيلة لدور لم يهئ الساعدي نفسه اليه, فإن هذا الحب يبقى ضريبة واجبة الدفع. دور الساعدي الوحيد هو صناعة الانتصار.

علق هنا