هل يقدّم مشروع إقليم خاص للأقليّات في العراق حلاًّ؟

سعد سلّوم

بغداد: الإقليم الخاص بالأقليّات، والذي أعلن عنه في 5 آذار/مارس من عام 2017 في بيان مشترك أطلقته مؤسّسات ثلاث، هي: المجلس الإيزيديّ الأعلى المستقلّ، مؤسّسة إنقاذ التركمان، ومنظّمة الرافدين التي تمثل الآشوريّين، سيضمّ ثلاث محافظات متجاورة، هي: سنجار وتلعفر وسهل نينوى.

ويعدّ المشروع، الرؤية الأشمل التي تقدّمها أقليّات متحالفة بهدف إخراجها من الصراع العربيّ - الكرديّ حول مناطقها، ومنع تكرار المأساة التي حلّت بها من قتل وتهجير من جرّاء اجتياح تنظيم "داعش" محافظة نينوى وغزوه لمناطق الأقليّات فيها، بعد أن طرحت مشاريع أخرى كانت تركّز خصوصاً على تأسيس محافظة للأقليّات في سهل نينوى، فجغرافيا الإقليم المقترح تمتدّ على مساحة المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد، والتي تعدّ موطن الأقليّات العراقيّة المتنوّعة: سهل نينوى الذي يضمّ أقليّات، ومن أبرزها المسيحيّون والشبك، فضلاً عن أقليّات أخرى، وتلعفر ذات الأغلبيّة التركمانيّة، وسنجار التي تعدّ المعقل الأكبر للإيزيديّين.

وتفادى القائمون على المشروع أيّ إيحاء بكونه مشروعاً انفصاليّاً، إذ طرح في ظلّ المظلّة الدستوريّة التي تمنح الأقليّات حقّها في الإدارة الذاتيّة أو الإدارة على مستوى الوحدات الفرعيّة، وهو ما تناوله الدستور العراقيّ لعام 2005، الباب الخامس، الفصل الأوّل، الموادّ: ١١٢ و١١٥ و١١٦.

وشرح رئيس مؤسّسة "إنقاذ التركمان" الدكتور علي أكرم البياتي الأرضيّة القانونيّة للمشروع بقوله: "إنّ مشروع إقليم الأقليّات يتوافق مع الدستور العراقيّ، ولا يتناقض مع التوجّهات العامّة في قضيّة تقسيم الصلاحيّات والإدارة الذاتيّة لشؤون الأقليّات".

وأشار " إلى "أنّ مسألة تقسيم العراق لأقاليم يمثّل حلاًّ دستوريّاً وقانونيّاً مناسباً"، مستشهداً بتجربة إقليم كردستان، وقال: "إنّ سبب قوّة إقليم كردستان ونجاحه كتجربة في الإدارة الذاتيّة تعود إلى توظيف هذا الحقّ الدستوريّ بنجاح. ولذا، تعدّ فكرة إنشاء إقليم للأقليّات في محافظة نينوى سبيلاً لتقوية مكوّنات هذا الإقليم بالتحالف مع بعضها البعض أمنيّاً وسياسيّاً وإجتماعيّاً وإقتصاديّاً".

من جهته، قال رئيس المجلس الإيزيديّ الأعلى المستقلّ الأمير نايف داوود: “إنّ التحالف يعدّ خطوة متقدّمة في إطار الحلّ الدوليّ لتوفير حماية دوليّة للأقليّات في العراق، وعلى نحو إيجابيّ لرفع مستوى الحشد الشعبيّ لمكوّناتنا تجاه قضيّة عادلة ومشروعة طالما انتظرت حلاًّ مناسباً".

وإذا كان المشروع يقدّم فكرة واضحة لمطالب الأقليّات توجّه إلى المجتمع الدوليّ، ويعكس رؤية مشتركة بين هذه الأقليّات التي تواجه محنة مشتركة، فمن الواضح "أنّ المشروع يعكس أيضاً فقدان الأمل بقدرة الحكومة العراقيّة المركزيّة على تقديم حلّ، وحال اللاّمبالاة التي تنتهجها تجاه قضيّة الأقليّات المضطّهدة خصوصاً"، حسبما أشار نايف داوود ".

وقدّم داوود أيضاً مبرّراً واقعيّاً راهناً في دفاعه عن المشروع يتعلّق بإعادة ثقة الأقليّات، لا سيّما الإيزيديّين، بعد "انهيار الوضع الأمنيّ في مناطق تواجدهم من جرّاء جرائم "داعش" بحقّهم وتدمير تراثهم الدينيّ وإجبارهم على الهجرة القسريّة"، وقال: "فضلاً عن تقديمه ضمانات معقولة في فترة ما بعد داعش لعدم عودة التنظيم وأشباهه إلى هذه المناطق وارتكابهم مجازر بحقّ الإيزيديّين والأقليّات الأخرى".

ومع ذلك، أكّد القائمون على المشروع عدم استبعاد فكرة الحماية الدوليّة للأقليّات في المناطق التي تشملها رقعة المشروع، إذ قال علي أكرم البياتي: "من الضروريّ تأكيد ضرورة وجود حماية دوليّة لمدّة معيّنة، كما توافر ذلك مسبقاً لإقليم كردستان، وتمكين وتدريب قوّاتنا المحليّة وتهيئتها للدفاع عن حدود الإقليم الجديد"، في حين مضى داوود لتأكيد المسار ذاته بضرورة توافر الدعم الدوليّ للقوى الكبرى والأمم المتّحدة للمشروع في مراحله الأولى، محدّداً سقفاً زمنيّاً معيّناً لدعم كهذا بقوله: "حتّى لو تبنّت الأمم المتّحدة مشروع إقليم الرافدين، فإنّ توفير الأمن والدعم والحماية الدوليّة ينبغي أن يتوافر للمشروع لمدّة تزيد عن 10 أعوام، ريثما يستتب الأمن على نحو نهائيّ ويصمد المشروع".

ورغم عدم ذكر أقليّات أخرى مثل الشبك والكاكائيّين في إعلان المشروع، الذي انطلق من مؤسّسات ثلاث تمثل التركمان والإيزيديّين والآشوريين، إلاّ أنّ باب المشروع مفتوح لانضمام بقيّة الأقليّات.

وفي هذا السياق، قال البياتي: "بالتأكيد، لن يتمّ استبعاد أيّ مكوّن موجود في الرقعة الجغرافيّة للإقليم الجديد، فالمشروع نضج بعد أكثر من سنتين من العمل الداخليّ والخارجيّ مع الأطراف المعنيّة، وتواصل مع مكوّنات أخرى، ولكن كان هناك تردّد لدى بعض الأطراف، التي لديها رغبة في الاشتراك، ولها الحق في ذلك إلى أن تتّضح لها جديّة المشروع وأهميّته. ولذلك، طرح المشروع اليوم في صيغته الثلاثيّة، وسيكون الباب مفتوحاً للجميع".

ويتّضح هذا التردّد، الذي أشار إليه البياتي، من قبل ممثلي الشبك على سبيل المثال، إذ أكّد السياسيّ الشبكيّ المستقلّ وعضو مجلس محافظة نينوى السابق قصي عبّاس أسبقيّة الخطوة الأولى الممهّدة، وقال ": "من الضروريّ تشكيل محافظة خاصّة بالأقليّات في منطقة سهل نينوى يحدّد مصيرها وفق الآليّات القانونيّة والدستوريّة عن طريق استفتاء أهالي المنطقة، وفي ظلّ ظروف مستقرّة وبرقابة أمميّة".

أضاف موضحاً تسلسل الخطوات: "بعد تشكيل محافظات خاصّة بالأقليّات، ستكون الطريق مفتوحة لتأسيس إقليم خاصّ بالأقليّات، وحينها سنكون جزءاً منه بالطبع". كما أكّد ممثّلون آخرون للأقليّات لم ينضمّوا إلى المشروع أنّه قد تفتح نافذة أمل للأقليّات وسط تطاحن الكبار حول مناطقها. ​

وقال رجب عاصي من مؤسّسة "ميثرا للتنمية الثقافيّة اليارسانيّة: "إنّ الإقليم المقترح إذا كان يوفّر ضمانات إقليم مستقلّ للأقليّات إسوة بوضع إقليم كردستان، فنحن نرحّب به، ونودّ الانضمام اليه، لكنّ القرار الأخير يعود في النهاية إلى الكاكائيّين القاطنين ضمن رقعة المشروع".

 

  • المصدر: المونيتور

علق هنا