تركيا وأوروبا: بين النزق المصنوع والنزق التاريخي

وليد عبد الحي

تصاعد الأزمة الهولندية التركية وقبلها الألمانية التركية يكشف عن نزق تركي مصنوع يستهدف استنفار غرائزية قومية لدى المهاجرين الاتراك في اوروبا( ويصل عددهم ما بين 5-7 مليون مهاجر في اكثر التقديرات ) من ناحية وفي داخل تركيا من ناحية ثانية للانحياز للتعديلات الدستورية التي يعمل أردوغان على تمريرها في استفتاء ابريل القادم  بتحويل النظام السياسي لنظام رئاسي يجعله اوسع صلاحيات وأكثر قدرة على التحكم بالقرار السياسي .

لكن ذلك لا ينفي ان بنية العلاقات الاوروبية التركية تخفي " نزقا تاريخيا" تستبطنه تركيا تجاه أوروبا ، بخاصة بعد قرار البرلمان الاوروبي في نوفمبر الماضي(2016) بتجميد المساعي التركية للانضمام للاتحاد ، مع ان هذا التصويت ليس إلا تتويجا لمماطلات اوروبية طويلة المدى في هذا الاتجاه، وهي السياسة التي دفعت الراي العام التركي لابداء " نزقه" ايضا من اوروبا ، حيث دل آخر استطلاع للرأي العام التركي على ان 60% من الاتراك لم يعودوا متحمسين للانضمام للاتحاد.

ومع ان دول الاتحاد الاوروبي ليست متسقة في سياساتها من موضوع السماح للمسئولين الأتراك بمخاطبة الجمهور التركي المهاجر بخصوص استفتاء الدستور( ففرنسا ترحب بذلك بينما المانيا وهولندا بل والسويد لم تريا نفس الرؤيا)، إلا  ان هناك عوامل احتقان قد تكون في "لاوعي " أردوغان ، وهو ما يفسر التصريحات "النزقة" منه ومن وزير خارجيته ورئيس وزرائه باتهام دول اوروبية بالنازية والفاشية، والذهاب الى حد المطالبة بالاعتذار ، وهو ما يذكرنا بنزقه مع روسيا واسرائيل ثم ابتلاع كل ذلك النزق.

لكن النزق له دوافع أخرى من الناحية التركية  والاوروبية همها:

1- مشكلة المهاجرين إلى اوروبا والتهديد التركي الدائم بتوظيف هذه المسألة ا للضغط على اوروبا

2- لدى تركيا هواجس قوية  بدعم تيارات وقوى سياسية أوروبية لحزب العمال الكردستاني الذي يشكل مشكلة مزمنة للسياسة الداخلية التركية.

3- الانتقادات الدائمة من قوى وتيارات سياسية أوروبية هامة للتوجهات غير الديمقراطية المتزايدة في تركيا، بخاصة التي اعقبت الانقلاب الفاشل في يوليو 2016، حيث تتم الاشارة إلى وجود  42 الف معتقل وطرد حوالي مئة الف موظف من وظائفهم بسبب تهم الصلة بالانقلاب .

4- تعيش تركيا حالة من عدم الاستقرار السياسي( فهي من الدول التي تعرف تزايدا في مؤشر عدم الاستقرار منذ 2011)، ويبرز ذلك في الاضطرابات السياسية والأمنية التي تلقى مسئولياتها على 3 قوى هي داعش وحزب العمال الكردستاني ثم جماعة غولن(الانقلابيون) وتتبدى مظاهر هذا الاضطراب في بلوغ عدد الهجمات والتفجيرات في داخل تركيا في  عام 2016 حوالي 269 هجوما، ناهيك عن اغتيال السفير الروسي وخضوع البلاد لحالة الطوارئ منذ يوليو الماضي، مع استمرار الموقف الاوروبي من موضوع الحكم بالاعدام في تركيا.

5- تأزم العلاقات التركية " مجددا"  مع اليونان بخاصة رفض المحكمة العليا اليونانية تسليم الجنود الاتراك الذين فروا اليها بعد فشل الانقلاب التركي، وهو ما يضيف للتوتر التاريخي جرعة جديدة.

6- الاعلانات المتكررة من دول اوروبية والولايات المتحدة عن تحذير رعاياهم من السفر لتركيا " بسبب الاوضاع الأمنية" ، وهو ما اثر على السياحة في حدود معينة.

كل هذا النزق سينتهي إلى مراوحة بين عدد من الظواهر :

1- حجم العلاقات التجارية الاوروبية التركية يقارب مائة وخمسين مليار دولار ،وهو ما يجعل تركيا الشريك التجاري الرابع (من خارج اوروبا) للاتحاد الاوروبي بعد كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا، فهل سيلجم الميزان التجاري النزق الظرفي الذي يريد اردوغان استثماره لحشد الاصوات في صناديق استفتاء ابريل، بخاصة ان "النزق" موجه نحو الدول الاكثر في عدد المهاجرين الاتراك إلى حد ما.

2- كيف سينعكس ذلك على الناتو.؟ إن توتر العلاقات بين دول الناتو( الخلافات بين اوروبا وأمريكا على الأعباء المالية لنفقات الناتو- وهو ما نبهت له في مقالات سابقة، والخلافات بين تركيا والدول الاوروبية، ناهيك عن دلالات مستقبلية  للفقرة الرابعة من اتفاقية ماستريخيت الخاصة بانشاء دفاع اوروبي مستقل) ..كلها عوامل قد تجعل من الازمة الحالية بين اوروبا وتركيا تغذية جديدة لازمات الناتو).

  ذلك يعني ان اردوغان يقف بين نزقين: نزق ظرفي مصنوع سيتلاشى تدريجيا بعد ابريل، ونزق تاريخي سيلد نزقا بعد نزق....ربما.

علق هنا