كردستان حرب الاخوة وبنادق للإيجار

صادق الطائي

منذ عدة أشهر وأزمات (كردستان الكبرى) في إيران وتركيا والعراق وسوريا تتوالد، تتشابك وتسير نحو المجهول، في كردستان الجنوبي – كردستان العراق – هنالك حرب ضد عصابات «داعش»، لكن في الوقت نفسه هنالك حروب بالنيابة تخوضها عدة جهات واحزاب كردية ضد بعضها بعضا.

أما الحال في كردستان الغربية – كردستان سورية – أو كما يسميها البعض بالكردية روزئافا، فالقتال جزء من المشهد المعقد للوضع السوري المشتعل، والكثير من الاطراف تضع اصابعها في المنطقة، ما يزيد الوضع اشتعالا، اما كردستان الشمالي – كردستان تركيا – فالتوتر بين حزب العمال الكردستاني (PPK) وحكومة انقرة آخذة في التصاعد وتنذر بتصيعد اكثر، وحتى الجزء الاكثر هدوءا وهو كردستان الشرقية – كردستان ايران- لم تكن هادئة في هذه الفترة، بعد ان قرر الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني، الذي تضعه ايران على قائمة الحركات الارهابية عودة مقاتليه إلى إيران من قواعدهم في العراق مؤخرا.

وسأتكلم عن كردستان العراق كمحور اساسي واربط الاوضاع المتوترة بما يجري في الاقليم ويؤثر سلبا أو إيجابا على الوضع الكردستاني العراقي، حيث شهدت الايام السابقة حادثتين لهما مؤشرات خطيرة، الحادثة الاولى كانت اقتحام قوة عسكرية من بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني – حزب الرئيس جلال طالباني- لمقر شركة نفط الشمال واحتلال محطة ضخ البترول الخام في محطة (K 1) القريبة من كركوك، والنتيجة توقف ضخ البترول في الخط العراقي التركي المار عبر كردستان، حيث يتم تصدير 100 الف برميل يوميا عبر ميناء جهان التركي.

وزارة النفط العراقية لاذت بالصمت وتعليقها الوحيد كان (لا معلومات لدينا عما يجري) بينما حكومة الإقليم في اربيل استنكرت الأمر، وطالبت ادارة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالكف عن هذه التصرفات التي تضر بالاقليم، وتزيد من وطأة الحالة الاقتصادية السيئة التي يمر بها، وقد صرح سفين دزئي المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان في اربيل، واصفا اقتحام شركة نفط كركوك بـ(اللامسؤول واللاقانوني) ما دفع بمسؤول تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في محافظة كركوك آسو مامند، الى التصريح بـ»أن دخول قوة عسكرية إلى شركة نفط الشمال جاء لإيصال رسالة إنذار إلى بغداد مفادها وجوب التوقف عن قرار إرسال نفط كركوك إلى المحافظات العراقية الأخرى، في حين أن المحافظة في أمس الحاجة إلى ذلك النفط». الازمة استمرت قرابة اليومين ليعود ضخ البترول الى حالته الطبيعة، دون معرفة نتائج مطالبات المهاجمين الذين طالبوا حكومة بغداد بأنشاء مصفى جديد في كركوك، وأمهلوها مدة اسبوع لتنفيذ الامر.

لماذا حدثت هذه الازمة؟ ولماذا الان؟ وهل للامر علاقة بما أشيع عن مخطط لتصدير نفط كركوك عبر الاراضي الايرانية؟

المعروف ان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة الرئيس السابق جلال طالباني حليف استراتيجي لايران، ومناطق تواجده ونفوذه بالاشتراك مع الحزب الثالث في كردستان العراق، حركة تغيير، في مدن السليمانية وحلبجة واخيرا كركوك التي سيطرت عليها بيشمركة الاتحاد الوطني بعد هجوم تنظيم «داعش» في 2014، وحزب الاتحاد الوطني يسير وبشكل لا لبس فيه وفق الاملاءات الايرانية الرافضة لاستقلال كردستان العراق بشدة، وقد اشار ديفيد بولوك مستشار معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية، والمختص بشؤون الشرق الادنى في مقال له قبل ايام، الى انه كان يحضر مؤتمرا في دهوك، في كردستان العراق قبل بضعة أسابيع، وأثار اهتمامه رؤية رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني» – الذي تعتبره طهران مجموعة إرهابية – يلقي خطابًا في المؤتمر، بينما كان يجلس في الصف الأمامي ثلاثة من أبرز المسؤولين السياسيين والأمنيين في حكومة إقليم كردستان. يقول بولوك «أثار هذا المشهد توتّري بعض الشيء إزاء احتمال أي ردود فعل انتقامية من إيران، فسألت ما إذا كان باستطاعتي تغطية الحدث، فجاء الردّ إيجابيًا، لأن الخبر أساسًا اذيع في كافة وسائل الإعلام المحلية، ولكن، وكما كان متوقّعًا، وبعد أيام قليلة، شنّ مسلّحون مجهولون اعتداءً على مكتب «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني» في مدينة كويسنجق القريبة من اربيل في وسط الاقليم، وقتلوا سبعة أشخاص. لم يُتّهم علنًا أي طرف بتنفيذ الهجوم حتى أن «حكومة إقليم كردستان» لم توجّه أصابع الاتهام نحو عملاء إيران. ويعكس هذا الحدث باختصار وبشكل مخيف طبيعة النفوذ الإيراني وامتداده في كردستان العراق، إن تخطيتمونا، سوف نقتلكم».

اما الحادثة الثانية وقد حدثت قبل ايام ايضا، فهي حالة الاقتتال التي دارت في (خانه صورى) في سنجار او (شنكال) كما تسمى باللغة الكردية، حيث حدثت اشتباكات بين مقاتلي وحدات حماية الشعب المدعومة من حزب العمال الكردستاني من جهة، ومقاتلي بيشمركة روزئافا السورية المدعومة من بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الرئيس بارزاني، اشتباكات استمرت ثلاث ساعات، اوقعت سبعة قتلى و26 جريحا في صفوف وحدات مقاومة سنجار (قوة ايزيدية) ووحدات حماية الشعب. فما هي خلفية النزاع؟ وهل هو قابل للتجدد؟ عندما هاجم مقاتلو «داعش» مناطق سنجار وارتكبوا مجازر بحق الايزديين من سكان المنطقة، انسحبت قوات الجيش العراقي من محافظة نينوى، وكذلك قوات بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني، التي كانت تنتشر في المنطقة ومسؤولة عن حمايتها، ما تسبب بكارثة انسانية، اندفعت قوات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي قبل اكثر من سنة واستطاعت بمساعدة ميليشيا (مقاومة سنجار) المشكلة من ابناء الايزديين الذين قاموا بتدريبهم، تحرير منطقة جبل سنجار، وبقيت هذه القوة هي المسيطرة على منطقة سنجار، حيث تمتد الاراضي الحدودية باتجاه الجزيرة السورية وكردستان سوريا.

وعلى الطرف الآخر من الحدود ينقسم الاكراد في كردستان سوريا الى معسكرين، الاول هو المجلس الوطني الكردي المدعوم من الرئيس مسعود بارزاني وحزبه، لانه مدعوم تركيا ويقاتل ضمن قوات المعارضة المعتدلة ضد قوات النظام السوري، لكنه في واقع الحال لا يمتلك قوة حقيقية على الارض توازي جهده السياسي، ويتركز وجود قوات المجلس في جرابلس واعزاز والراعي، ويحاول قادته إقامة منطقة آمنة في هذه المدن، عبر اقناع الولايات المتحدة وبتأيد ودعم تركي، ويلقى المجلس الوطني الكردي دعما من حكومة اقليم كردستان العراق، التي استقبلت قوات بيشمركة روزئافا التابعة للمجلس في معسكرات تدريب وإعداد في دهوك، حيث يقدر المراقبون تعداد هذه القوة ببضعة الاف من المقاتلين، بينما يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري (PYD) بزعامة صالح مسلم على اغلب كردستان سورية، ويسعى لاقامة فدرالية كردية ضمن سوريا الموحدة الديمقراطية، بضوء اخضر روسي، حيث يمتلك الحزب مكتبا في موسكو يقترب في شكله من التمثيل الدبلوماسي، لذلك لم تصدم قواته بقوات النظام السوري ولكنها لم تتعاون معها بشكل مباشر، بينما تضعه انقرة على قائمة الحركات الارهابية، إذ تعتبره احد اجنحة حزب العمال الكردستاني التركي، وقد عقدت مجموعة مكونة من 30 حزبا وحركة كردية بقيادة (PYD)، وبعد انسحاب قوات حماية الشعب الكردية، قبل ايام، من مدينة منبج في ريف حلب الشمالي وتسليمها لقوات النظام، ارتأت تركيا ان تتحرك قوات بيشمركة روزئافا من دهوك لتدخل كردستان سوريا لتغيير المعادلة على الارض، فتحركت حكومة اقليم كردستان لتدفع بقوات البيشمركة عبر شنكال وليحدث الصدام بين القوتين.

من كل ما سبق يتضح أن جهات كردستان الاربع واحزابها وحركاتها تتعامل مع المتغيرات عبر الكيل بمكيالين، وربما ثلاثة بحسب مصالحها، فحزب الرئيس بارزاني متحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني ويدعمه في معارضته لايران، بينما يقاتل حزب العمال الكردستاني التركي وحلفائه السوريين ويقف مع الحكومة التركية في قتالها ضدهم، والعكس بالنسبة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة الرئيس طالباني الذي يدعم حزب العمال التركي ويقاتل ضد الديمقراطي الكردستاني الايراني تبعا للاجندة الايرانية، وعند هذه النقطة تسقط الكثير من الشعارات القومية والاطروحات النضالية التي تشدقت بها الاحزاب الكردية، نحن اليوم نستمع لتصريحات قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق – المتفاخرون بالعمل لتأسيس الدولة الكردية – القائلة بان حزب العمال الكردستاني قوة خارجية «غير عراقية» ويجب ان تترك سنجار، وكأن خطوتهم الاولى للانفصال عن العراق تبدأ بطرد قوة كردية غير عراقية، وكانت الوحيدة التي وقفت بوجه هجمات «داعش» ودافعت عن الايزديين. في المقابل حزب العمال الكردستاني الذي يتباهى على الكل «بكفاحه القومي والاممي» يقول بان سنجار يجب ان يكون اقليما مستقلا يُدار من قبل اهل سنجار وحدهم ويقصد القوات التابعة له. فأي مأزق يدفع ثمنه الكردي البسيط في هذه الارض التي تأبى ان تهدأ؟

 

علق هنا