جواد غلوم: لا صخب في سوق الصفّارين

متابعة - العراق اليوم:

وأنت تدخل سوق الصفّارين

ضع سبابتَـك اليمنى عامدةً على شفتيك

يباح لك ان تنطق بحرفين " أ ش " وتسكت بكْماً

لاتنسَ ان تصمّ دبْـرَ مؤخرتك

لئلا يتناثر ريحُها وتُفسد مشوارك .

في سوق الصفّارين

هناك من يسمع صوت القشّة عندما تتساقط

الهواء يحسب دبيب أطراف أصابعك

عليك ان تربط مُسكِّتة آليّة على وقع أقدامك

فالسكون هناك طقس علّم المقابر طرائق الخرَس

الكلّ نيام في هيأةً كَـهَـفِـيّـة

بلا كلابِ حراسة

لك فرصة واحدة للزعيق والعويل

استثناءً في المواسم الباكية

عند تقديم التعازيّ الى مزارات الشهداء

إياك ان تصرخ الان مهما بلغَ الألمُ أشدّه

صه ، حتى وأنت في حالات الطلق والمخاض

فالهدى بطْـنٌ منتفخة تعاني ولادة عسيرة

سينجب لنا " عتاگة " و" صكّاكة " و " علاّسة "

من أرحام الملائكة الزانيات مع أمراء الحروب

في سوق الصفارين ؛ لامطارق تصدع الرؤوس

الأواني مخرومة في قعرها

رمياً لآنيةٍ لاتحفظ سائلها

الأباريق تخسّفت بفعل الرصاص

الطست جفّ ماؤه ، صدأ نحاسُه

فليبقَ الدمُ عالقا في جسد الوليد

يباح البكاء الصامت حصريا في سوق الصفّارين

لا عزاء لمن يجرّ أذيالَهُ صوب القبر

أنت في معرسٍ لإبداءِ المواساة

فانصب سرادقَ بأعمدة من الدمع

ارفع سقفاً من نفايات وأنقاض السلف الصالح

لتحتمي فيه من اعاصير التحضّر الكافر

ابعدْ خِرَقَك العتيقة عن مطر يريد تطهيرك

ايها اليابس الاجرد

لمَ تخاف من بللِ يلاحق أوساخك ؟؟

اسقِ المريدين فواجع من كأس مزاجها كافور

وليشمّوا بخورا شُحنت من السماء

بصفقة مريبة لبواخر فضائيّة تتسكع في الهواء الخانق

كثرَ البحّارون والملاّحون والفضائيّون والدفّةُ واحدة

قتلوا نوحاً عاصما

وحده الشعر همسَ في أذني في سكون النحاس

قال وهو يرجف لسانَه :

أما من مطرقة كونيّة تنهال على رؤوسنا

وتطيحُ بنا واحدا واحدا

" ضراطُ السياسيّ فيهِ سعَةْ --- وضرط الحراميّ ما أوسعهْ

فيـضـرطُ هــذا على رِجـلهِ --- ويـضرط ذاك على أربـعـة

إذا ما تَـضَـارطَ هــذا وذا ----- سمعتُ رعودا لها قـعقـعة "

هوامش

1) سوق الصفارين يقع وسط بغداد كان يضجّ بالصخب والجلجلة الهائلة بسبب مطارق صانعي النحاس ويتندّر البغداديون بمثَل دارجٍ في قولهم " ضرطة ضائعة في سوق الصفارين " لاستحالة معرفة مصدرها

2) العتاگة هم بائعو العتيق من الآثاث ظاهرا لكن بعضهم يحيكون المكائد اثناء تجوالهم بين الاحياء والصكّاكة والعلاّسة هم القتلة المأجورون الغادرون ، وقد ظهروا جليّا في ايامنا الحالكة هذه بسبب الانفلات الامني وهوان القانون

3) الابيات الثلاثة الاخيرة مستوحاة من هجائيات ابن الرومي بعد تحويرها من قبلي

علق هنا