الوضع فيطي ونص !

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة

 غادرت العراق قبل أكثر  من ستة أشهر، لإجراء الفحوصات الطبية في الولايات المتحدة، وكي اتابع الشأن العراقي عن كثب، باعتباري صحفياً، معنياً بإصدار صحيفة يومية ووكالة أنباء، وادارة بعض الصفحات والمواقع الاخبارية التابعة لمؤسسة (الحقيقة)، أقوم يومياً باجراء الكثير من الإتصالات الهاتفية مع الزملاء العاملين في مؤسسة الحقيقة، وبعدد من السياسيين وصناع القرار، وبالقريبين من مواقع الأحداث، كما أستعين أيضاً بعدد من الأصدقاء الذين لهم صلات بالشخصيات العراقية البارزة ومعرفة الاخبار التي لم تظهر بعد، ومن حصيلة كل هذه الإتصالات تتجمع لديٌ يومياً باقة من الاخبار والتحليلات، فندفع منها للنشر ما نراه صالحاً ومقبولاً، ونهمل غير المفيد، أو الذي لا يخدم العملية السياسية في العراق.

ومن بين الأصدقاء الذين أثق بهم، كنت أتصل بين فترة وأخرى بصديقي المهندس (أبو  يوسف)، ذلك العراقي المترع بالوطنية وحب العراق، والمتحمس للتغيير والعدالة، وهو الذي لم ينتم لأي حزب أو تيار، رغم أن مزاجه وقلبه مع ثوار تشرين..

وكنت كلما أجد أن السماء السياسية العراقية قد تلبدت  بالغيوم السود، وتوترت الأحوال فيها، أبادر بالإتصال به، باحثاً عن جواب يأتي لي من روحه المرحة واللطيفة، فيزيل بجوابه الهم والكدر عن خاطري، وما أن أقول له متسائلاً: ها أبو يوسف شلون الوضع بالعراق؟

حتى يأتيني الجواب سريعاً: الوضع فيطي !

فأضحك، رغم اني أجهل معنى كلمة (فيطي)، لكني أعرف ما توحي به هذه الكلمة، وما ترسمه من مناخ، وما تبعثه من صور!

وللحق، فإني طيلة هذه الفترة لم أساله عن المعنى الحرفي والرسمي لكلمة (فيطي)، لكني أضطررت يوم أمس وبعد الاحداث الاخيرة الى أن أطرح عليه ذلك السؤال، بعد أن وجدته قد بالغ هذه المرة وهو ينطق بكلمة (فيطي)، خصوصاً وهو يمط حرف الياء بقوة وسخرية، حتى شعرت أن هذا الحرف يكاد ينقطع تحت لسانه من شدة المط !

فقلت له: متگلي شنو معنى فيطي؟

فضحك وقال: حين يصبح الوضع سريالياً وعجيباً ومجنوناً كما هو وضع العراق الان، فلن تجد كلمة مناسبة تدلك على ما هو عليه الحال، ولا تعثر على صفة ملائمة تصلح في توصيف هذا الوضع الغرائبي، لذلك فأنت لاتملك أزاء هذا الوضع الهزيل، إلاٌ أن تمضي نحو استخدام لغة أو صورة عبثية تترجم لك واقع الحال كما هو..

ويكمل صديقي أبو يوسف كلامه قائلاً:

إذاً فكلمة فيطي متناغمة ومتوائمة مع الوضع (الفيطي) في العراق!

قلت له:  لكن ...!

فقاطعني قائلاً: عزيزي أبو حسون دعني اطرح أمامك بعض الاسئلة، وأنا أتكفل بالجواب عنها، متمنياً عليك الاستماع والتحليل فقط..وبدأ يطرح الأسئلة ويجيب عنها بنفسه دون أن يترك لي المجال لأقاطعه، أو أعارضه:

فقال: هل العراق الآن في حالة حرب كما كنا مع ايران في ثمانينات القرن الماضي مثلاً، او  نحن في حالة سلم كما كنا في السبعينات، أو نحن في حالة غزو كما كنا قبل ثماني سنوات حين تعرضنا لغزو داعش  الارهابي؟

الجواب: لا نعرف وضعنا بالضبط، فما يحدث في العراق اليوم ليس حرباً ولا سلماً ولا غزواً ولا هم يحزنون  !

ويكمل ابو يوسف اسئلته: ثم هل يمر الشعب العراقي اليوم بارهاصات ثورة، أم يتعرض الى انقلاب، أم لحرب أهلية، أم انتفاضة شعبية، أم ماذا.. وإذا كنا في حالة مخاض ثورة فعلاً، فعلى من نثور، ولصالح من ثورتنا، وضد من، ثم من هم الثوار، وكيف تكون الثورة إذا كانت الحكومة تسهم في الثورة ضد نفسها وضد مؤسساتها الحكومية؟!

ولم يتوقف صديقي، إذ ظل يطرح اسئلة بعد اسئلة مثل: 

هل لدينا دولة؟

فيجيب :،طبعاً لا !

هل لدينا حكومة وبرلمان وقضاء، ورئاسات اربع فعلاً؟

وأجاب بنفسه على نفسه: طبعاً لا !

هل لدينا موازنة، وآلية رصينة محسوبة (بالفلسان) لعوائد النفط، والواردات الأخرى؟

الجواب : كلا .. وإلاٌ لماذ استقال وزير المالية، وقدم استقالته ب (جنجلوتية) حجمها تسع صفحات؟

هل لدينا جيش فيه ضبط وربط مثل جيوش العالم، ولدينا قوى أمنية محددة، أم لدينا أجهزة وقوات وعناوين لها أول وليس لها آخر، حيث تبدأ من البيشمرگة، ولا تنتهي عند أي مسمى آخر، حتى أن القائد العام للقوات المسلحة - كما يشاع لا يستطيع نقل أو تحريك سرية، بل ولا فصيل واحد من قواته الى مكان آخر ؟

ثم هل لدينا رياضة؟

الجواب: إسأل عدنان درجال فهو يجيبك كما أجاب عن سؤال يتعلق بقدرة العراق على تنظيم خليجي 25 ؟

قلت لصديقي: لقد تراجع درچال بعد يومين، واعلن عن قدرة العراق ...

فقاطعني ابو يوسف قائلاً: أبو حسون ( فدوة خليني أكمل): هل لدينا تعليم ووزير تربية؟

الجواب: لا طبعاً، بدليل أن وزير التربية لم يقدم استقالته حين سرقت اسئلة البكالوريا، إنما قال ببرود قاتل: “يعني شكو بيها، قابل هاي أول مرة تنباگ بيها الاسئلة بالعراق”؟!

وأكمل أبو يوسف: وراح أضرب لك (مثال ثاني) على ضياع التعليم في العراق، فقد ظهر رئيس الحكومة (الطيب) في فيديو ، وهو  يستقبل في القصر الحكومي، طفلاً في التاسعة من عمره، وبدلاً من أن يسأله عن الصف الذي يدرس فيه، أو عن مستواه الدراسي حيث يفترض ذلك، وجدنا دولته يسأل الطفل: “إنت شتشتغل إبني”؟!

وأكمل صديقي، قائلاً:

هل لدينا سياسة مائية، وهل لدينا القدرة على التحكم في مياهنا، وهل نعرف مثلاً ما هي حقوقنا المائية، وحقوق دول الجوار، ثم هل لدينا زراعة، صناعة، وتجارة، وهل لدينا وزارة صحة ووزير، وأدوية ومستشفيات واجهزة فحص طبي حكومية وليست أهلية تفرغ جيوب المواطن إن كانت لديه جيوب بعد، أما الكهرباء  فحدث  عنها بلا حرج ولن أقول شيئاً؟

ثم قال صديقي: اعطني بلداً في العالم فيه شخص واحد يتولى ادارة خمسة مناصب في آن واحد، وكل منصب يحتاج الى خمسة اشخاص مقتدرين، ثم قال ضاحكاً (وين أكو  هيچي بطة تلعب شناو )؟

قاطعته، وقلت: أبو يوسف ترى إنت ظلمت الحكومة، ودمرت البرلمان والقضاء والدنيا كلها .. مو هيچ الوضع يا أخي أبداً !

ضحك ، وقال لي: وداعتك ابو حسون، ترى الوضع اليوم أسوأ الف مرة مما ذكرته لك!

ثم قال لي: احلفك بدينك ومذهبك، مثل هيچي وضع شتسميه، ما يستحق تگول عنه: فيطي؟

فضحكت وقلت له: إذا الوضع مثل ما تگول فعلاً، فهذا  مو بس فيطي، إنما فيطي ونص !

علق هنا