مقال لوزير النقل قبل أن يكون وزيراً: (تالي الليل تسمع حس العياط )

بغداد- العراق اليوم:

كتب كاظم فنجان الحمامي:

لا حدود لوصف فساد الإمبراطورية الظالمة، التي نهبت ثروات البلدان العربية باسم الخلافة الإسلامية على مدى سبعة قرون، ولا حدود لاستبدادها وطغيانها، حتى قال المؤرخون: أن سبب زوال الدولة العثمانية يعزا لتفشي الفساد، وضعف جيشها الانكشاري. لكننا وعلى الرغم من محاولات أصحاب الأقلام المأجور، الذين ماانفكوا يضيفون اللمسات التجميلية على تاريخ سلاطينها الحافل بالفساد والإفساد، فقد حملت لهجتنا العامية الدارجة الكثير من الكلمات التركية، التي أصبحت فيما بعد من مفردات الفساد والتهتك. خذ على سبيل المثال لا الحصر مفردات: (سختجي)، (سرسري)، (سربوت)، (بلشتي)، (شلايتي)، (سيبندي)، (برطلي)، و(هتلي).

هتلي: وتُجمع على (هِتلية)، وهي تركية الأصل. مرتبطة بعناصر إحدى تشكيلات الجيش العثماني. كانوا يسمونهم في التركية: (هايتة)، ومعظمهم قساة عتاة طغاة. ساموا الناس أبشع أنواع الذل والقهر. حتى أن مفردة (هيته) العراقية تعني التسيب والانفلات. ثم تحولت كلمة (هايتي) بمرور الزمن إلى (هتلي)، وتطلق على الساقطين والمنحرفين.

برطلي: وهو تشكيل آخر من تشكيلات الجيش العثماني. غير خاضع للرقابة والمسائلة بأمر السلطان، وأصل الكلمة (براءتلي). ثم تحولت الكلمة إلى صفة لكل طاغية ومتكبر، حتى أن مفردة (برطيل) تعني: رشوة وتجمع على (براطيل).

ساخْتَچي: تعني المحامي في بعض اللهجات التركية، لكنها تعني أيضا: المحتال أو الغشاش، وتتألف من مقطعين: (ساختن) وتعني: حيلة. أما (چي) فتستعمل للنِسبة، كقولنا: قهوچي نسبة لبائع القهوة.

سربوت: لقب كان يطلق على الكهنة في المعابد الوثنية عندما يدخلون في حالة اللاوعي (الهذيان)، ثم تطورت هذه الكلمة عندما ظهر بعض من يدعون الكهانة، فتسربت وصار سربوتاً، أي تكهن وادعى الكهانة، ويقال أنها محرفة من كلمة (سراب). بقولهم: (يسربت على الناس أمورهم). أي يريهم ما هو ليس حقيقي. والسربوت في اللهجة الخليجية هو المتهتك. والسربتة تعني: التحدث بالألفاظ النابية.

بلشتي: مفردة بغدادية تعني الشخص النصّاب، وتُطلق أيضاً على المتسيب الوقح. أما السيبندي: فتعني صاحب (خدعة الثلاث ورقات) أو المحتال، والغشاش.

الشلايتي: هو الموظف المسؤول عن نظام الرقابة المالية في العهد العثماني، وهو المعني بمراقبة تقلبات أسعار الأسواق. لكنه تحول إلى عنوان من عناوين الانحراف الإداري بعد سقوطه في مستنقعات الفساد. الأمر الذي اضطر السلطان إلى الاستعانة بالسرسرية.

السرسري: هو الموظف المعني بالرصد والتدقيق والمتابعة، وكانت مهمته مقتصرة على مراقبة (الشلايتية)، لكنه انزلق معهم في دروب الفساد، فسقط في المستنفع نفسه. أحيانا تُفسر الكلمة على أنها تعبير عن العاطلين عن العمل. أو (الفضائيين)، ويبدو أن هذه المفردة لها أكثر من جذر. ففي اللغة العربية نقول: (سرسر الشفرة) أي حدّدها، فالسرسري هو الذي يحدّ السكاكين، ويصقل الأسنة المعروفة بشفراتها الدقيقة، فالكلمة تعكس دور المدقق المسؤول عن ضبط المعايير الصارمة، أما مفردة (سرسور) على وزن (عرعور)، فتطلق على الشلايتي والهتلي والبلشتي، ولسنا مضطرين هنا إلى تفسير كلمة (عرعور).

ختاماً نقول: إلى أي مدى ابتعدنا هذه الأيام عن تطبيقات تلك المفردات المعبّرة عن الفساد ؟. وهل اختفت ممارساتها الموروثة، أم أننا في طريقنا نحو استعمال المزيد من تعابيرها المستحدثة من مثل (صكاكة – علاسة – حواسم – نكرية – دمج – طكّوه بالدهن – طكّوه بوري – قفاصة – فضائيين) بغية تشخيص إفرازات هذه الفوضى الخلاقة ؟، التي ضاع فيها الخيط والعصفور.

علق هنا