ماذا لو أستمر مشروع مصطفى الكاظمي الإصلاحي؟

بغداد- العراق اليوم:

اذا لم يكن لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من فضل، سوى أنهُ وضع جميع مشاكل العراق الخدمية والأمنية والسياسية على الطاولة، وواجه استحقاقات مراحل طويلة، لكفاه انجازه هذا، فكيف اذا ما علمنا ان الرجل لم يتوقف عند اثارة هذه الملفات فحسب، بل وخاض في اغلبها، انجز في جزء منها، وينتظر الجزء الأخر ان تخوض فيه الدولة نقاشاً واضحاً، وأن تضع له خططاً قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد.

هذه البركة الساكنة، جاءت حكومة الكاظمي والقت وسطها حجراً ثقيلاً، فحركت المياه، وبانت الرؤوس الغاطسة لجبال المشاكل المتأصلة في المشهد العراقي، فيما خاض  الرجل في مياه اقل ما يقال عنها أنها مضطربة منذُ ان زلزلها ذلك الحجر، لكنه واصل ويواصل دون تردد.

جرأة الكاظمي هذه كانت مطلوبة منذ سنوات ان لم تكن عقود، لتضع المبضع على ذلك الجرح الذي في الظاهر نراه مندملاً، لكنه اندمال على قيح، وشفاء على عيب، وسكون على ألم، وهدوء بأنتظار الكارثة، لذا لم يتركه على هذا كما فضل الأخرون، وأثروا ان يمضوا سنوات حكمهم، مفضلين مبدأ السلامة (وبرودة الرأس)، لكنهُ جاء ليقول لنا كشعب، أن " الأوضاع ليست على ما يرام، وأن المشاكل متأصلة متجذرة، متورمة، تحتاج الى معالجات عسيرة في الظاهر، لكنها ضرورية، بل حتمية"، نعم، قال لنا أن نعيش في اقتصاد مرتهن لسوق نفطية متقلبة، وقال ان ثمة اجيالاً قادمة ستجد نفسها مدينة قبل ان تولد، وستجد نفسها على قارعة الإفلاس، وعاجزة عن مواكبة العالم السائر نحو الاستثمار والطاقة البديلة، وقال لنا أن التأسيسات الخاطئة، صارت تولد انحرافات متماثلة تنسخ نفسها دوائر تتسع، فالبيروقراطية والفساد والبطء والكسل والعجز والبطالة المقنعة، والانتفاع الشخصي من المصالح العامة، والمحسوبية، والابتزاز والرشى ...الخ من الأمراض والأوبئة القارة، لا تزال تفتك بجسد الدولة، وعلينا ان نواجه ذلك.

وقال الكاظمي ان اقتصاداً مبني على ايرادات نفطية تصل نسبتها الى اكثر من 90% هو كارثة حالية وتسونامي مستقبلي في ظل سياسات توظيف فاشلة، واستخدام للريوع المالية بطريقة بدائية متخلفة، وقال لنا ان عدم الجدية في الإصلاح الآن، سيعني ضياعاً قريباً وشيكاً لكل شيء.

كما قال لنا الكاظمي، أن دفن الرأس في الأرض كما تفعل النعامة لن يفعل مشكلة الأرتداد الاجتماعي الخطير، في ظل اجيال باتت تختنق بصيغة الدولة القديمة المتهرئة، المتآكلة، فكيف ان ذهبت الأجيال الجديدة الى ما هو أبعد من لغة الاحتجاج الحالي؟.

وقال الكاظمي أيضاً، أن حبس العراق في نفق المحاور الأقليمية، وتحويله الى ساحة صراع، سيجعل منه أرض حرام، لا شيء فيها سوى الدم والخراب، ولا ينزل عليه من السماء سوى الغربان، فماذا نريد لهذا البلد بحق السماء!.

قال لنا الكثير، ووضعنا ام الواقع بلا تجميل، ولم يكتفِ بالقول، بل بدأ فعلاً في خطط معالجة، وراح يقترح وينفذ، يعيد ويؤكد، يهدم ويبني، دون ان يجد من يسانده حقاً، في ظل تنامي نزعة الانتقام، ومنطق التحاصص والتغالب والصراع على المغانم الذاتية.

نجح الكاظمي، وهو الذي جاء للموقع الحكومي بمفرده، أي لا كتلة تسنده، ولا حزب يحميه، ولا ميلشيا تقف خلفه في تطويق النيران، ودرء المخاطر عنه.. لكن الرجل رغم جميع عوامل اليأس والإحباط، فتح نافذةً للأمل، عارضاً ورقة بيضاء لأنقاذ الاقتصاد.

لقد قال لنا الكاظمي ان سياسة اليد الممدودة للجميع في الخارج، مع

الحوار الداخلي، والتنظيم المؤسسي، ورقمنة الدولة، وأتمتة انظمتها، يمكن ان تكون حلولاً، لو بدأنا، وبالفعل بدأ هو وسط صعوبات جمة، ولا يزال يواصل العمل بهذا النهج، ويحاول ان يصنع لنا نجاحاً تبدو معطياته بعيدة، لكن أرادة الرجل واصراره وعزمه وإيمانه يقربه منا.

وهنا اختم بالسؤال البسيط : ماذا لو منحناه فرصة كافية ليقودنا الى اكمال هذه الأبواب المفتوحة، هل سيغير حال بلادنا عما هي الصورة عليه الآن؟

أنا اعتقد جازماً بذلك، لكن ماذا عنك عزيزي القارئ؟.

علق هنا