من يدعم الكاظمي لنيل منصب رئيس الوزراء، ومن يؤيد تنصيب العبادي وهل ترشيح جعفر الصدر حقيقة أم جاء لإحراج الآخر ؟

بغداد- العراق اليوم:

كتب المحرر السياسي في " العراق اليوم "

بموضوعية ودون تحيز مسبق، يمكننا أن نقرأ قائمة الترشيحات الساخنة لرئاسة الحكومة المقبلة، مع مناقشة كل مرشح على حدة، وأيضاً الهدف من الترشيح، والحظوظ التي يمتلكها، لاسيما ان هذه الترشيحات لا تزال حديث الشارع السياسي وسباق الوسائل الإعلامية المختلفة التي تريد الظفر بإسم المرشح الحقيقي، بعيداً عن لغة المناورات السياسية، وعملية " حرق" الأسماء التي تتُبع بعد كل انتخابات يشهدها العراق.

بعد أشهر من المناقشات والمناوشات السياسية، يبدو أن بورصة الترشيحات النهائية استقرت بشكل نهائي على ثلاثة اسماء، ولكن مع تفاوت حظوظ كل مرشح، وأيضاً ما حفظ تقلبات الساعة الأخيرة، والتي عادةً ما تكون حاسمة ومؤثرة.

من رشح حيدر العبادي؟

أولى هذه الترشيحات المسربة هي للسيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق، وعضو الأطار التنسيقي حالياً، وهذا الترشيح غامض جداً، بل ويعتبر ملفاً يتداول اعلامياً اكثر من كونه ملف ترشيح واقعياً جرى بحثه في أروقة أي من التحالفين الشيعيين الرئيسيين، وهما التيار الصدري والأطار التنسيقي الذي ينتمي له العبادي نفسه، فلم تصدر من قيادة الائتلافين أي مواقف واضحة بخصوص دعم ترشيح العبادي، الذي لم يحصل على عضوية مجلس النواب شخصياً، ولم تحصل قائمته  الانتخابية على أي مقاعد في المجلس النيابي الجديد، وبقي الرجل متعكزاً على أسمه السياسي، كونه شغل منصب رئيس الوزراء لفترة سابقة، هذا مضافاً اليه، انه تنظيمياً خارج صفوف حزب الدعوة الذي يقوده نوري المالكي والذي يحتفظ بقرابة ثلاثة وثلاثين نائباً الآن، ولم يتحدث حزب الدعوة عن أي دعم للعبادي حتى الآن، ولا يزال الحزب يناور التيار الصدري، في محاولة للإلتحاق به ضمن كتلة شيعية واحدة.

عملياً، فأن التيار الصدري ايضاً، لم يبدِ أي رغبة أو لم تصدر عنه أي تصريحات رسمية أو حتى تسريبات تدعم العبادي، فضلاً عن رفض كردي قاطع يواجهه الرجل، مع عدم دعم سني واضح ايضاً، فمن أين أتت " شائعة" ترشيح العبادي يا ترى؟، ومن الذي يقف خلفها؟، وهل هي ضمن سياسة خلط الأوراق التي تتبعها القوى السياسية، وصولاً الى لحظة تسمية مرشح أخر كما هو الحال في المرات السابقة؟.

هل ترشيح جعفر الصدر خيار واقعي؟

في قراءة ترشيح السيد جعفر الصدر، الذي يتمتع بخاصية كونه نجل مؤسس حزب الدعوة الاسلامية، الشهيد محمد باقر الصدر، وأيضاً صلة القرابة العائلية بينه وبين زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، يبدو أن الترشيح ايضاً مناورة أكثر من كونه واقعياً، فحتى مع توارد التصريحات التي تقول ان مقتدى الصدر طرح في مهاتفته لنوري المالكي الأخيرة لأسم جعفر الصدر، فأن الأمر لا يعدو – برأينا- كونه عملية احراج ومحاولة سحب ورقة الشرعية التي لا يزال حزب الدعوة الاسلامية يرفعها، كونه الممثل الحصري لتراث الشهيد محمد باقر الصدر، أذ ان أي رفض لترشيح جعفر الصدر، سيكون ضربة قاصمة للحزب، وسيقال عنه أنه خارج الشرعية الصدرية التي يكتسبها، وينافس فيها التيار الصدري، وأذا قبل حزب الدعوة مثل هذا الترشيح فأنه بمثابة هدر عظيم لأرث تاريخي معنوي، خصوصاً مع "سلمية" شخصية السيد جعفر الصدر، وعدم ميله للحزم السياسي، وتوجههاته الفكرية الأخيرة التي طرحها في مقابلات، اعلن فيها صراحةً أنه لا يؤيد الإسلام السياسي، وأنه يبحث عن دولة مدنية حديثة، وغيرها من الأفكار التي قد تنسف منظومة الدعوة الفكرية، وأيضاً يبدو أن حديث مقتدى الصدر عن هذا الترشيح مجرد جس نبض لمعرفة النوايا، فلا نظن أن الصدر ذاهب لوضع اسم ورمزية عائلة الصدر على المحك السياسي المباشر في ظرف دقيق، وأمارات المواجهة الداخلية والخارجية في أوجها، وقد تنذر الأيام المقبلة بصعوبات جمة، في ظل احتقان شعبي واضح.

عملياً، اذا تحدثنا بلغة الأرقام، فأن ترشيح السيد جعفر الصدر لن يحظى بأغلبية مريحة كما هو المتوقع، فالقوى الأطارية ليست متفقة تماماً على الذهاب بأتجاه التجريب مجدداً، ولن تسمح ان تعاد تجربة عبد المهدي التي كلفتها الكثير، ولذا فأننا ازاء خيار غير واقعي ايضاً، بلحاظ ما تقدم.

*من يدعم ترشيح مصطفى الكاظمي؟.

بقي في قائمة الخيارات، مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي، والرجل الذي لم يتحدث هو ذاته عن خياراته، ولم يتحدث بعد عن مصادر قوته ودعمه السياسي، ولم يزج نفسه بشكل صريح في أتون الصراع والأحتدام الحاصل، لكنهُ يتمتع بشكل واقعي بدعم الأطراف التالية:

القوى السنية: وبالتحديد جناح رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي يسيطر على حوالي الثلثين من تحالف السيادة السني، ويملك الكاظمي سجلاً جيداً وموثوقية عالية لدى مختلف الأحزاب والتشكيلات السنية، أّذ جمد الرجل طوال فترة حكمه " الطائفية السياسية"، وأنهى بشكل كبير ملفات اللجوء، والابعاد القسري، وأعاد تقييم الأوضاع الأمنية والسياسية والخدمية داخل المحافظات السنية، فضلاً عن ترميم منظومة علاقة مؤسسات الدولة مع المجتمع السني.

القوى الكوردستانية: وهذه القوى على الرغم من اختلافها، الإ أنها تكاد تجمع على أن فترة تولي مصطفى الكاظمي كانت العصر الذهبي للعلاقات الحسنة مع بغداد، بل أن الرجل مضى وقطع اشواطاً طويلة في ترميم العلاقة بين اربيل وبغداد، وأستطاع بحنكة وحكمة ان يعيد تعريف هذه العلاقة، ولاسيما في ما يتعلق بالتنسيق الأمني المشترك، وأيضاً ملف الثروات وغيرها، لذا قد يحصد الكاظمي دعماً واضحاً واجماعاً كردياً على تجديد المهمة ان رغبت هذه القوى.

القوى الشيعية: بشكل واضح وصريح، فأن الكاظمي يحظى بقبول واضح من اغلبية القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب، لاسيما التيار الصدري الذي كان الى وقت قريب يرفع ترشيح مصطفى الكاظمي لولاية اخرى، فضلاً عن ذلك تيار الحكمة وبعض قوى الأطار التنسيقي نفسها، نعم، ومنها تحالف الفتح والسند الوطني وغيرها من القوى السياسية المعتدلة، فيما يواجه الكاظمي تحفظات من بعض الأطراف والفصائل السياسية، لكنها لم تعد بتلك القدرة والتمثيل القوي داخل الأطار، لاسيما ان التوازنات داخل هذا التشكيل السياسي قد اختلفت تقريباً، واصبح الثقل الموضوعي في الائتلاف لصالح دولة القانون، والذي قد يذهب بأتجاه دعم الكاظمي في حال عقدت صفقة واضحة مع التيار الصدري.

القوى المستقلة: وهي المؤلفة من حركات تشرينية، كأمتداد وأشراقة كانون والتحالف الشعبي وغيرها من الحركات، وهذه القوى لا تمتلك أي تحفظات على ترشيح الكاظمي للمسؤولية من جديد، لاسيما أن الرجل ساهم بوضوح في أنجاز مهام التحول السياسي الديمقراطي، وأصر على اجراء الانتخابات المبكرة، التي ضمنت لقوى تشرين حضوراً نيابياً يكاد يكون الأوسع من نوعه في تاريخ مجالس النواب العراقيةن فضلاً عن ذلك حرص الكاظمي الواضح على الحفاظ على مكتسبات تشرين حية ونابضة في شكل الحكم، ومؤسسات الدولة التي تحركت بشكل فاعل خلال العاميين الماضيين، بأتجاه مكافحة الفساد، حصر السلاح بيد الدولة، ومحاسبة المفسدين، وغيرها من شعارات الثورة.

هذه الأغلبية التي يتمتع بها ترشيح الكاظمي، يضاف لها ترحيب اقليمي ودولي واسع، ورغبة واضحة من الأطراف الحليفة للعراق في ان يكمل الكاظمي مسيرته السياسية الاصلاحية المنفتحة، ويقود البلاد في هذه الظروف الدقيقة والحرجة.

 

علق هنا