المحكمة الاتتحادية العليا والمخاض الصعب ..

بغداد- العراق اليوم:

بقلم أياد السماوي

يبدو أنّ قرار المحكمة الاتحادية العليا المتعلّق بالحكم بعدم دستورية قانون النفط والغاز رقم (22) لسنة 2007 , قد وضع المحكمة وقضاتها أمام قوى اللا دولة المتمردّة على الدستور والقانون وجها لوجه .. ويبدو أنّ الحملة المنظّمة التي يقودها رئيس وزراء إقليم كردستان ( مسرور بارزاني ) باعتبار أنّ هذه المحكمة ليست المحكمة الدستورية المنصوص عليها بالمادة (92/ثانيا) من الدستور , وبالتالي فإنّ قرارها بعدم دستورية قانون النفط والغاز رقم (22) لسنة 2007 هو قرار غير دستوري وغير ملزم لحكومة إقليم كردستان , وأنّ حكومة الإقليم لا تعترف بهذا القرار ولا تلتزم بتنفيذه .. ولعلّ اخطر ما في هذه الحملة المسعورة على المحكمة الاتحادية العليا هو محاولة حكومة الإقليم بدفع الأطراف المتحالفة معها بالتمرّد على قرارات المحكمة الاتحادية وعدم الاعتراف بها والمطالبة بإلغائها .. وانطلاقا من واجبنا الوطني والشرعي والأخلاقي في التصدّي لهذه الحملة الشعواء التي تستهدف كيان الوطن وأساسه الدستوري والقانوني , نضع الرأي العام والشعب العراقي أمام مسؤولياتهم الوطنية والشرعية والأخلاقية .. فالمحكمة الاتحادية العليا هي التجسيد الحي للدستور ولسانه الناطق الذي يمثل الأساس والبناء الفوقي للدولة والمجتمع والنظام السياسي القائم ..

والأمر رقم (30) لسنة 2005 المعدّل هو القانون الوحيد للمحكمة الاتحادية العليا , ولا قانون غيره لحين تشريع القانون الأصل , المنصوص عليه في المادة (92/ثانياً) من الدستور العراقي الذي تعثر تشريعه منذ نفاذ الدستور وحتى هذه اللحظة بسبب الخلافات في وجهات النظر حول نقطتين أساسيتين , تتعلق الأولى بتكوين المحكمة والثانية بنصاب صدور قراراتها , وبالرجوع إلى المادة (92/ثانياً) من الدستور نجد أنّها تنصّ على ( أن تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة ، وخبراء في الفقه الإسلامي وفقهاء القانون ، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم ، وعمل المحكمة ، بقانون يسنّ باغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) , فقد كان هنالك اتجاهين بخصوص تكوين المحكمة .. الأول يرى أنّ المحكمة تتكون من ثلاث فئات , هم القضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون , وهؤلاء جميعا هم أعضاء أصلاء في المحكمة ويعاملون نفس المعاملة , أمّا الاتجاه الثاني يرى أنّ تشكيل المحكمة يتكون من القضاة فقط , أمّا خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون فإن دورهم استشاري فقط , يقدّمون الخبرة في مجال اختصاصهم عند طلب المحكمة منهم , كما هو الحال في المحاكم المدنية التي تستعين بالخبراء في مختلف الاختصاصات .. أمّا النقطة الخلافية الثانية فهي تتعلّق بنصاب صدور القرارات من المحكمة , إذ ذهب البعض إلى أنّ المحكمة شأنها شأن أيّ محكمة أخرى تتكون من هيئة أو عدد من القضاة وتصدر القرارات عنها أمّا بالاتفاق أو بالأغلبية البسيطة ( أكثر من نصف عدد اعضائها ) , في حين ذهب الرأي الثاني إلى أنّ المحكمة تصدر قرارات فيها نوع من الخصوصية , لذا يجب أن تكون وفق أغلبية معينة , كأن تكون الثلثين كما هو الحال في نص المادة (5/اولآ) من الأمر رقم (30) لسنة 2005 بخصوص المنازعات الحاصلة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية, وذهب رأي ثالث إلى أنّ لبعض أعضاء المحكمة (حق الفيتو) وبدون موافقتهم لا يصدر القرار من المحكمة في مواضيع معينة .. وبسبب هذه الخلافات في وجهات النظر وبصرف النظر عن مبررات أصحابها , أحبطت جميع محاولات تشريع أصل قانون المحكمة الاتحادية العليا , وبسبب هذا الفشل في تشريع هذا القانون خصوصا مع اشتراط (حضور وموافقة) أغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب على هذا القانون  , أي بمعنى أنّه ليس مجرّد تحقق النصاب بحضور أغلبية ثلثي أعضاء المجلس , إنّما يجب أن يقترن هذا الحضور بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب .. ولهذا تعذّر تشريع هذا القانون منذ العام 2005 وحتى هذه اللحظة ..

 ومما زاد الأمر تعقيداً  هو صدور قرار المحكمة الاتحادية العدد (38 /2019) بتاريخ 21 /5 /2019 , الذي ألغيت بموجبه صلاحية مجلس القضاء الأعلى بترشيح رئيس وأعضاء المحكمة , وبذلك دخل القضاء الدستوري في مرحلة (الفراغ الدستوري) , وحين أحيل أحد أعضاء المحكمة على التقاعد بناء على طلبه لسوء وضعه الصحي ومن ثم وفاته , ولحقه وفاة عضو اخر , أختلّ نصاب انعقاد المحكمة , ذلك أن المادة (5/اولا) من الأمر رقم (30) لسنة 2005 تشترط لصحة انعقاد المحكمة حضور جميع اعضائها وهم بحسب القانون تسعة .. ومع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة في 10/10/2021 ، إذ ان المادة (93/سابعاً) من الدستور تنص على مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات ,  وجد مجلس النواب نفسه أمام أمر واقع بضرورة معالجة الفراغ الدستوري وفق خيارين لا ثالث لهما اما تشريع أصل القانون المنصوص عليه في المادة (92/ثانيا) من الدستور , أو المضي في تعديل الأمر رقم (30) لسنة 2005 .. وبعد أن عجز المجلس عن تشريع القانون الأصل المنصوص عليه في المادة ( 92/ثانيا ) , تمّ الذهاب إلى تعديل الأمر رقم (30) لسنة 2005 .. وبهذا التعديل ولدت المحكمة الاتحادية العليا الحالية هذه الولادة العسيرة بعد مخاض صعب أدخل البلاد في الفراغ الدستوري قرابة السنتين ..

واليوم تتعالى أصوات المتمّردين على الدستور والقانون لإلغاء هذه المحكمة وإدخال البلد مجدّدا في الفراغ الدستوري , لا لسبب قانوني أو منطقي إلا لأنّ هذه المحكمة قد حكمت بنص وروح الدستور العراقي وألغت قانون النفط والغاز رقم 22 لسنة 2007 , المخالف لمواد الدستور ( 110 , 111 , 112 , 115 , 121 , 130 ) .. وبدورنا نسأل حكومة إقليم كردستان , إذا كانت هذه المحكمة غير دستورية وقرارتها غير ملزمة لحكومة الإقليم , فكيف قبلت حكومة الإقليم بمصادقة هذه المحكمة على نتائج الانتخابات النيابية ؟ وكيف قبلت بقراراتها المتعلّقة برّد الطعون على تزوير الانتخابات وقرارها الحكم بشرعية جلسة مجلس النواب الأولى وإعادة فتح باب الترشيح لرئاسة الجمهورية مجدّدا من قبل مجلس النواب ؟؟ وهل هذا يعني أنّ حكومة الإقليم لها الحق بقبول أو رفض قرارات هذه المحكمة بناء على رغبتها ومصلحتها ومزاج السيد مسرور بارزاني ؟؟ فحين يتمّكن السيد مسرور بارزاني هو وحلفائه بتشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا المنصوص علية بالمادة (92/ثانيا) من الدستور , عند ذلك فليتفّضل ويطالب بإلغاء هذه المحكمة ..

 

علق هنا