كيف يكون المرء حسينياً حقيقياً .. قصة فيها درس للوزراء والأمراء والأغنياء، لاسيما زعماء السياسة والدين الحاليين !

بغداد- العراق اليوم:

يتحدث الشيخ محسن قرائتي عن والده قال:

رحل أبي عن هذه الدنيا في سن الأربعين

وأنا جئتُ إلى الدنيا بعد 6 ستةِ أشهر من وفاته

 *في السادسة من العمر تعلمت قليلاً من القراءة والكتابة ..

في هذا الوقت فهمت ، وأدركت معنى ذلك الشعر الذي أوصى به والدي أن يّكتب على قبره*

أُذكروني عند كلِّ مجلس عزاءٍ للحسين

*بعد ذلك ..

وأنا شاب بقيت أبحث هل واقعاً كان والدي حسينياً .. أو هل هو محبٌ للحسين بهذا الحد ..؟*

*عندما بلغت سنّ العشرين من العمر أي في 1965 .. في يوم من الأيام .. وأنا أريد الدخول لزقاق بيتنا ، وإذا برجل له من العمر 50 خمسون عاماً إسمه حسين ..

عندما عرف أنني إبن المرحوم حاج عباس علي ما كان منه إلا أن يحتضنني .. ويضمني إلى صدره .. وضع رأسه على كتفي .. وصار يبكي .. ويبكي .. ولا أعلم لأيّ شئ ..

فقال: عندما خطبت أخذت خطيبتي وأمها عند محل المرحوم والدك*

*دخلت المحل .. وضعت فمي في أذن والدك .. همست في أذنه بصوت لا تسمعه خطيبتي ، وأمها ..

قلت له : نقودي قليلة .. أريد لخطيبتي أرخص طقم عندك .. وأقلها وزناً ، وثمناً .. وأرجو ألا تعرف خطيبتي وأمها بذلك*

 من عجيب الأمور أنّ خطيبتي إختارت أجمل وأغلى أنواع المصوغات ، وأكثرها وزناً

صُدمت كثيراً .. هاجت نفسي ، واضطربت .. وتأثرت .. ولم أدرِ كيف أتصرف .. وإذا بالمرحوم والدك يقول :

حسين .. فداءً لإسمك .. هذا الذهب الذي اختارته خطيبتك تأخذه ويبقى من طلبك عليَّ 100 مئة تومان

*هل تذكر أنك اشتغلت عندنا ..؟ بنيت لنا في البيت وأنا لم أدفع لك حسابك .. فسامحني على ذلك .. ومدّ يده ، وأخرج مئة تومان .. وأعطانيها .. وهو يعتذر ، والمئة تومان ذلك الوقت لها وزنها .. ولها قوتها الشرائية بما لا يتصوره إنسانٌ .

في هذا اليوم كنت مضطرباً جدّاً .. وقلقاً .. أنظر إلى وجه والدك .. هذا الرجل الكريم .. خرجت من محله ، وأنا مرفوع الرأس أمام أهل خطيبتي*

مرّت أيام .. وأيامٌ .. وسنون حتى سمعت أنّ المرحوم الحاج عباس علي قد توفي في سن 40 أربعين عاماً بعد رجوعه من زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام

جئت إلى البيت .. وشرعت في البكاء .. ولم أأخذ إستراحةً .. إلا وأعقبتها ببكاء آخر

11 إحدى عشرة سنة تمر على الحادث ، وأنا لم أكن لأحدّث زوجتي عن الذهب .. والمئة تومان .. والإشتغال عند المرحوم للبناء

فالمرحوم كان قد حفظ لي ماء وجهي .. لم أشتغل في بيته حتى ، ولا دقيقة واحدة .. ولكنه أكرمني .. وحفظ ماء وجهي .. لم يأخذ مني قيمة الذهب .. وأعطاني مئة تومان مصروف الزواج من جيبه

••• وما إن سمعت زوجتي حديث الذهب حتى راحت هي الأخرى تبكي .. وتغط في البكاء .. والنحيب.. لم أستطع أن أُسكتها .. أو أُهدئَ من روعها .. كانت تبكي بحرقة ، وألم .. تبكي بكاءً لم تبكه على أحد

*وعندما هدأتْ قليلاً ؛

سألتها : وأنتِ لماذا هذا البكاء ..؟*

وإذا بها تعود إلى البكاء مرة أخرى .. وقالت :

ذلك اليوم .. عندما دخلنا محل الحاج عباس علي .. كانت عباءة والدتي فيها وصلة .. أو رقعة .. فعرف المرحوم أننا فقراء .. فأرسل عامله خلفنا ؛ يتبع أثرنا ليعرف عنوان البيت .. وفي المساء !!

وعندما حلّ علينا الليل .. وإذا بالباب يُطرق .. خرجت أنا وأمي لنفتح الباب .. وإذا بالحاج عباس .. وحتى لا يُخجلنا .. أنزل برأسه إلى أسفل .. وأخرج من جيبه ظرفاً .. سلّمه لوالدتي ، وقال : هذه حوالة من الإمام الحسين .. عباءة لكِ .. ومصرف جهاز ابنتك .. والرجاء * عدم إخبار صهركم حسين أنني أوصلت لكم هذا المبلغ

وما إن انتهت زوجتي من حديثها حتى رحنا نبكي .. ونبكي الإثنين معاً

فلا زوجتي علمت خبر الذهب الذي قدّمه لي

ولا انا فهمت ما قدمه لزوجتي من مصرف زواجها

أي روح هذه .. وأية نفس تحمل الخير عند هذا الرجل !!

يقول الشيخ قراءتي : عندما سمعت هذه الحكاية من حسين عرفت ما كان يفعله والدي ..

فبمقدار ما كان يضرب بيده على رأسه حزناً على الحسين .. فإنه كان يمسح على رأس اليتامى والمحرومين بحنانه .. وعطائه

وبمقدار ما كان يضرب على صدره فقد كان مرهماً لصدور المحزونين

وبمقدار ما كان يبسط سفرته .. ومائدته للناس أيام عاشوراء .. فما كان يلوّث يده بأموال الناس .. ولا بأموال بيت المال .. ولا بالمال العام

لقد كان حسينياً .. وحسينياً صادقاً ..

 

 

 

علق هنا