الشعراء الشعبيون يَتَّبعُهُم العوز وليـــس (الغـــــاوون)!

بغداد- العراق اليوم:

فالح حسون الدراجي

افتتاحية جريدة الحقيقة

كلما طرحنا موضوعاً عن الشعر والشعراء، انبرى من يقول:

( الشعراء يتّبعهم الغاوون)!

والمصيبة أن أغلب هؤلاء لا يعلم أن سورة الشعراء، وتحديداً هذه الآية قد قيلت في ذمّ الشعراء الذين كانوا يهجون النبي محمداً في أوائل الدعوة الإسلامية، ويلاحقونه بقصائدهم المسيئة والساخرة، وليس غيرهم، أما الشعراء الذين وقفوا مع النبي، أو الذين لم يهجوا شخصه، فقد كان النبي يعاملهم بلطف وود، واحترام، ولم يكن النبي وحده يجزل التقدير لهؤلاء الشعراء، إنما تبعه في ذلك الإمام علي بن أبي طالب، والصحابة وآل البيت الكرام، فقد نال مثلاً الشعراء: حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، ومن ثم الشريف الرضي ودعبل الخزاعي وعشرات الشعراء الآخرين، تقديراً واحتراماً من الأئمة والصحابة والمسلمين الأوائل.

حتى أن النبي محمداً كان يفرد أقرب الأماكن اليه في مجلسه ليجلس حسان بن ثابت قريباً منه، تعبيراً عن حبه وتقديره له.. وكثيراً ما كان حسان أو كعب أو ابن رواحة يتصدون للشعراء المسيئين للنبي وللإسلام فيسقطونهم من عليائهم أمام أهل مكة والمدينة..

إذن، فإن الشعراء لم يكونوا جميعاً – قدوةً للغاوين –  فيتبعونهم، ولم يكونوا جميعاً ( في كل وأدٍ يهيمون)، إنما كان أغلبهم قد وقف مع الحق، والقيم والمبادئ السامية، والكثير منهم نذر شعره وحريته وحياته للوطن والعدالة والأديان السماوية التي يرون فيها صورة الحق..

وكي نكون منصفين، فإن مئات الشعراء في التاريخ كانوا (يفعلون ما يقولون)، ومن أجل ذلك دفع الشعراء العراقيون وغير العراقيين حياتهم ثمناً لما كتبوا من شعر وآمنوا به حد الشهادة.. وتحت يدي الان قائمة طويلة من الشعراء العراقيين الذين استشهدوا دفاعاً عن إيمانهم بقضيتهم، وبأشعارهم، وهذا يشمل الشعراء الذين أعدمهم النظام الصدامي الفاشي، أو الذين استشهدوا وهم يحملون البندقية والقصيدة معاً دفاعاً عن الوطن والحرية والعدالة والجمال. وطبعاً فإن فيهم الكثير من الشعراء الشيوعيين، وشعراء ينتمون للحركة الإسلامية، وهناك من لم ينتمِ لأي حزب أو فكر سياسي، إنما انتمى للعراق وطناً وهوية وقضية.

وللحق، فإن أغلب العناصر المدرجة في قائمة الشعراء الشهداء التي أتحدث عنها، هم من الشعراء الشعبيين، ومن مختلف الألوان والمدارس الشعرية.

فماذا نال هؤلاء الشعراء المضحون (  الذين قالوا وفعلوا) وماذا كسبت عوائلهم غير الحرمان، واللوعة، والفقد، والضياع، بعد رحيل المعيل ؟

أمس، ذهبت الى مقر جمعية الأدباء الشعبيين في العراق، وقد استقبلني زملاء الحرف، وأصدقاء العمر بحفاوة أشعرتني بقيمة القصيدة، وكرامة الشاعر، وحتماً فإن حميمية الزملاء جبار فرحان وماجد عودة وعداي السلطاني وفاضل عبود – مع حفظ الألقاب – لم تفاجئني قط، فما بيني وبينهم من جمال وحب ومودة وتاريخ وذكريات ومواقف، وعمر مزروعة سنواته بجمر الشعر والصبر والعذابات ، وما ذقناه سويةً من وجع  مرّ، يسقط كل ما من شأنه أن يدعو للعجب والدهشة من هذا الاستقبال الكريم والنبيل والبالغ.. لكن الشيء الذي فاجأني هو هذا العوز والفقر المدقع الذي وجدت فيه الشاعر الشعبي العراقي..فهو عوز لا يصدق، ولا يبرر أيضاً، وقد وجدت أن ثمة إهمالاً كأنه مقصود للشعراء الشعبيين ولجمعيتهم، إهمالاً من قبل الدولة، ممثلة برئيسها (المحب بل والعاشق للشعر الشعبي مصطفى الكاظمي) وإهمالا من وزارة الثقافة، وبقية المؤسسات المعنية..!

 إن المقر الذي زرته امس، هو مقر لجمعية الادباء الشعبيين العراقيين ، واتحاد الادباء الشعبيين العرب ايضاً، واللذان يقودهما معاً الصديق الشاعر جبار فرحان، يصلح لأي شيء، إلّا للشعراء، والحالمين بمكان تضيء فيه قصائدهم كما تضيء النجوم، فيعطرونه بأريج المواويل والدارميات والابوذيات.. لقد وجدت مقراً يستحي من حالته الحياء نفسه!

فقلت في سري، أحقاً هذا مقر لجمعية ينتسب اليها ( مادياً أو معنوياً وابداعياً) مظفر النواب مثلاً، أو ناظم السماوي وكاظم اسماعيل الكاطع وطارق ياسين وعزيز السماوي وعريان السيد خلف وكريم العراقي، وبشير العبودي، ورياض النعماني واسماعيل محمد اسماعيل وريسان الخزعلي وكاظم الركابي وكاظم غيلان وكاظم الرويعي وكامل الركابي وعلي رشم وبحر الخالدي وفالح الطائي وفوزي السعد ورحيم الغالبي وعلي الربيعي وسمير صبيح ورحيم المالكي وغني البهادلي وعطا السعيدي وعبد الحسين الحلفي ونائل المظفر ومحمد الغريب وجبار رشيد  وووووووو الى أن نصل قائمة الجمال الى قبر الشهيد الغائب أبو سرحان !

وتساءلت: أحقاً، لا يستطيع رئيس جمعية الادباء الشعبيين في العراق والوطن العربي، مقابلة رئيس الوزراء أو وزير الثقافة، أو حتى وزير الزراعة ! ليطرح على أي منهم معاناة الشعراء الشعبيين العراقيين، وهي معاناة لا يتحمل كتف جبار فرحان أو ماجد عودة، أو كريم العماري، أو كتف أي شاعر في إدارة الاتحاد، حملها دون أن تعينه الدولة على ذلك.

في ختام افتتاحيتي.. أوجه دعوة مخلصة، من قلب موجوع، الى رئيس الوزراء – رغم ظروفه، وانشغالاته الكثيرة – والى كل من يعنيه الأمر: أن ادعموا الشعراء الشعبيين العراقيين، واتحادهم الصابر، ورئيسه المبتلى بضيم ومعاناة الشعراء.. ولا أريد أن أدخل في تفاصيل هذه المعاناة، فهي كثيرة وطويلة، لذا أرجو أن يتم الاستماع من صاحب البلوى وحامل المعاناة وجهاً لوجه.. فقد كان النبي محمد يُجلسُ حسان بن ثابت الى جنبه ويستمع اليه.. مع – الفارق - والاعتذار من التشبيه.

 

علق هنا