ترامب ليس منقذاً للأقليّة المسيحيّة في العراق

بغداد- العراق اليوم:

ترامب ليس منقذاً للأقليّة المسيحيّة في العراقفوق منحدرات جبل منخفض، تهبّ نسمة عليلة من سهل نينوى وتعبر قبب الكنائس الآشوريّة والكلدانيّة والسريانيّة في بلدة القوش. ويبدو الجوّ السلميّ المحيط ببيوت القوش المصنوعة من الحجر والاسمنت في تناقض صارخ مع نقطة التفتيش الواقعة على مخارج البلدة والتي يديرها جنود أفظاظ من البشمركة تابعون لحكومة إقليم كردستان. ويتعارض مع الحرب الدائرة على بعد 25 ميلاً جنوباً، حيث تقاتل الميليشيات والقوّات الأمنيّة العراقيّة تنظيم الدولة الإسلاميّة ("داعش") للاستيلاء مجدداً على الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقيّة.

جلس الشمّاس والناشط المسيحيّ ربيع باتروس يونس في مكتبه المنزليّ بعد إجرائه مكالمة هاتفيّة بلغته الأمّ، السريانيّة. وعلت وجهه ابتسامة متردّدة.

وقال: "بصراحة، كان العراق مليئاً بالمسيحيّين. وبعد العام 2013، بدأنا نحن المسيحيّون نشعر بأنّه لا مكان لنا في المنطقة"، في إشارة إلى موجات العنف الطائفيّ التي اجتاحت العراق، وطالت الأقليّات الدينيّة بشكل خاصّ بعد الاجتياح الأميركيّ سنة 2003.

وتابع يونس قائلاً: "ننتظر أن يأتي شخص ويغيّر واقعنا. لكنّ الوضع يزداد سوءاً منذ العام 2013". ولهذا السبب بالتحديد دعم الكثيرون من أبناء مجتمع يونس المتقلّص ترشّح دونالد ترامب للرئاسة.

وقال يونس: "عارض ترامب التطرّف. وتكلّم أوباما ضدّه أيضاً، لكن في غضون ثماني سنوات، ازداد الوضع سوءاً. فقال ترامب إنّه سوف يغيّر ذلك".

وأوضح يونس إنّ مسيحيّين عراقيّين كثيرين، كأولئك المقيمين في القوش، تحمّسوا لاحتمال أن يضع زعيم عالميّ القضاء على "داعش"، الذي عانوا كثيراً بسببه، في أعلى سلّم أولويّاته. لكنّ يونس بدأ يشكّك في دعمه للرئيس الجديد بعد أن أصدر ترامب أمراً تنفيذيّاً في 27 كانون الثاني/يناير يمنع الهجرة من سبع دول ذات أكثريّة مسلمة، بما في ذلك العراق، ما يحرم المسيحيّين العراقيّين من أحد الأماكن التي يمكنهم أن يلجأوا إليها للعيش بأمان.

وقال يونس: "كان مجرّد أمل. إذا شعرنا بأنّ الوضع يتحسّن، يمكننا عندئذٍ القول إنّ ترامب هو الشخص المناسب لتوليّ الرئاسة". وأضاف: "نحن ننتظر. حالياً، ليست لدينا ثقة بأحد".

في ظلّ البطالة المرتفعة، وغياب فرص العمل، والاضطهاد الطائفيّ، وعدم الاستقرار الناجم عن الإقامة في منطقة تتنازع عليها حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزيّة في بغداد، لا يجد غالبيّة الشباب سبباً يدفعهم إلى البقاء في القوش. وبغية مكافحة هذه الظاهرة، أسّس يونس منظّمة نيشا لتمكين الشباب التي يديرها من الطابق السفليّ لمنزله. وتسعى هذه المنظّمة إلى وضع حدّ لهجرة ذوي المهارات والمتعلّمين من البلدات الصغيرة. وتقدّم نيشا تدريباً مهنيّاً إلى الشباب وتنظّم ورش عمل حول التسامح الدينيّ لنزع فتيل الطائفيّة التي تدفع المسيحيّين إلى الهجرة.

لقد منع حظر الهجرة الذي أصدره ترامب، على الرغم من تعليق المحاكم الأميركيّة العمل به، مواطناً آخر من القوش يدعى يوسف قس يونان من مغادرة العراق والانضمام إلى عائلته في الولايات المتّحدة.

وقال قس يونان: "قمتُ بمعاملات تأشيرة الدخول!"، متحدّثاً بإحباط أمام متجر للصيرفة. وأضاف: "كنت آمل الذهاب إلى أميركا. أجريتُ المعاملات في سياق برنامج التأشيرات الخاصّة للمهاجرين العراقيّين. وحصلتُ على تأشيرة الدخول. لكنّ كلّ شيء توقّف الآن بسبب ذلك الأمر".

وعند سؤاله عن الظروف التي دفعته إلى التقدّم بطلب للإقامة في الولايات المتّحدة، أجاب قس يونان: "أبنائي وبناتي وشقيقاتي وأشقائي - جميعهم في الخارج. ليس لديّ أحد هنا سوى زوجتي. وهذا ما دفعني إلى الذهاب إلى الولايات المتّحدة. ثانياً، [شعرتُ بالقلق بسبب] الوضع الأمنيّ في المنطقة".

وقال قس يونان إنّ المجتمعات بدأت تصبح منقسمة أكثر إثنيّاً، مشيراً إلى أنّه لا يشعر هذه الأيّام بالراحة إلا وسط المسيحيّين من القوش. فقد أدّت تهديدات المجموعات الجهاديّة مثل "داعش"، والعلاقات المتوتّرة مع الدول المجاورة، ومصادرة الأراضي في مناطق خاضعة لسيطرة الأكراد إلى استمرار الإحساس بعدم الأمان لدى أبناء مجتمعه.

ومع أنّ قس يونان بدا موافقاً على موقف ترامب العدائيّ، إلا أنّ خيبة أمله إزاء الحظر كبيرة. فقد قال: "ترامب ينفّذ ما تكلّم عنه"، مشيراً إلى أنّ ترامب يفي بوعده بتطبيق بعض السياسات في الأيّام الأولى من تولّيه منصبه الرئاسيّ. وأضاف: "تقدّمتُ بطلب وأجريتُ مقابلة وحصلتُ على تأشيرة. هذا ليس حظراً على المسلمين فحسب، بل هو حظر على الجميع".

وبدا قس يونان مستسلماً عند سؤاله عن إمكانيّة محاولته اللجوء إلى الاستئناف من أجل السفر. فقد أجاب أنّه لا يستطيع أن يفعل شيئاً سوى انتظار تغيير في السياسة.

أمّا بالنسبة إلى المسيحيّين في شمال العراق فقد أوضح قس يونان أنّ عددهم يتراجع بسرعة في سهل نينوى. وقال: "انخفض عددنا من مليون ونصف المليون في العراق إلى ما لا يتعدّى 300 ألف الآن. لقد دفعهم الوضع الأمنيّ إلى الرحيل مع أنّه كانت لديهم منازل ورواتب وأموال كافية ليودعوها في المصرف".

وأضاف: "لو تحسّن الوضع الأمنيّ، لبقي [المسيحيّون]. لكنّ كلّ شيء تغيّر منذ وصول "داعش"".

وقال قس يونان إنّه يشعر بأنّ سياسة ترامب الخاصّة بالهجرة تعمّق الانقسامات الطائفيّة، مضيفاً: "لا تتعلّق المسألة بقضاء [ترامب] على "داعش" أو عدمه، بل بتغيير السياسات المتعلّقة بمنطقة [الشرق الأوسط]. لقد وضع حواجز بين الأشخاص، وبالتالي لا أحد يثق بالآخر".

على بعد 12 ميلاً شمالي القوش، في مدينة دهوك في كردستان العراق، شرح الأب إيمانيول يوخانا، وهو قسّ آشوريّ، المنطق وراء دعم الكثير من المسيحيّين العراقيّين لترشّح ترامب.

فقال: "نجا جدّي من المذابح [العثمانيّة] بحقّ الآشوريّين سنة 1915، التي قُتل فيها مئات الآلاف. ونجا والدي من مذبحة سميل [في العراق] سنة 1933. واليوم بعد مرور مئة سنة، يحاول أشخاص مثلي ومثل أبناء مجتمعي النجاة من "داعش"".

نظراً إلى تاريخ الاضطهاد المستمرّ منذ الحقبة العثمانيّة وحتّى اليوم وموجة العنف الأخيرة في كلّ أنحاء العراق، بات المسيحيّون المحليّون يبحثون بيأس عن أيّ شخص يبدو أنّه قادر على مساعدتهم. وقال يوخانا بمرارة: "من الطبيعيّ إذاً أن يعيش [الآشوريّون] وهم المنقذ".

واستبعد أن يكون أمر ترامب التنفيذيّ نابعاً من رهاب الإسلام، معتبراً أنّ دول الغرب مقيّدة في جهودها الهادفة إلى مكافحة الإرهاب بسبب الكياسة السياسيّة. وقال: "يسود تفكير ساذج في دول العرب، التي تحاول تجميل ما يسمّى بالإرهاب الإسلاميّ. لكن في بلدي، الإرهاب الإسلاميّ لديه اسم".

وعلى الرغم من الوضع الحاليّ، يعتقد يوخانا أنّه ينبغي مساعدة المسيحيّين للبقاء في العراق. وقال إنّ تسهيل انتقالهم للإقامة في مكان آخر يعني مساعدة المشروع الطائفيّ للمقاتلين المتطرّفين الذين يريدون رؤية البلاد فارغة من الأقليّات الدينيّة.

وقال يوخانا: "علينا أن نبقي المسيحيّين هنا، [وإلّا] نكمل مهمّة "داعش" غير المنجزة". واعتبر أنّ الشتات لا يمكن أن يكون وطناً بديلاً لمسيحيّي العراق. فالتشرذم حول العالم يؤدّي إلى فقدان الروابط بالدين واللغة والتقاليد والأرض. واعتبر يوخانا أنّ تغيير مكان السكن قد يكون خياراً جيّداً للأفراد أو العائلات، لكن ليس لشعب بكامله.

وسأل: "ماذا عن الهويّة المسيحيّة الشرقيّة المستمرّة هنا منذ ألفي سنة؟ هل من الممكن الحفاظ عليها في أريزونا؟ هل من الممكن الحفاظ عليها في شيكاغو؟" وشدّد على ضرورة أن يقوم المجتمع الدوليّ بحثّ السلطات العراقيّة على بذل جهود إضافيّة لتوفير الأمان للأقليّات الدينيّة.

واعتبر يوخانا أنّ حظر ترامب بسيط مقارنة بنزوح أبناء مجتمعه ورغبته في إبقائهم في العراق، قائلاً: "أنا أنزف. أنا أعيش الدقيقة الأخيرة من ألفي سنة من المسيحيّة. هذه أولويّتي".

عن

علق هنا