هل نجح الكاظمي في ضبط لعبة التوازن الإقليمي والدولي، وما تأثيراته على استقرار الداخل ؟

بغداد- العراق اليوم:

فيما كانت اللعبة الإقليمية والدولية تعيش اكثر فصولها توتراً في الشرق الأوسط، لاسيما مع اشتعال جبهتي سوريا واليمن، والمعادلة القلقة في لبنان، وسخونة الاجواء بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والصين من جهة ثانية، وايضاً قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، وتخليه عن مبدأ الحياد الذي انتهجه سلفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتشدده في محاصرة نفوذ ايران، وتقويض تواجدها في المياه الدافئة، وحصرها في زاوية العقوبات، كان العراق يعيش ضغوط هذه البالونات المدمرة، حيث تعج ساحته الداخلية بالتناقضات القاسية، ولم يعد نظام الحكم في بغداد قادرا على الصمود امام فكوك الضواغط الخارجية، وتأثيرات الاستقطابات التي بلغت مداها الأقصى.

 هذا الأمر، مضافاً إليه تعقيدات المشهد الاقتصادي والصحي، وضغوط هائلة ولدت انفجاراً داخلياً في العراق، واصبحنا امام سيناريوهات محتملة، اقلٌها خطراً انذاك هو تقسيم البلاد، وتفكك عرى صلاتها، واخطرها الدخول في دوامة حرب أهلية دامية جديدة.

ازاء تراكم الفشل والعجز عن اتخاذ قرارات مصيرية، كانت المبادرة التي قادتها وقتذاك اطراف داخلية في العراق، خصوصاً تلك المقربة من مرجعية النجف الاشرف، في ترشيح شخصية وطنية عراقية شاملة وهادئة وعقلانية، تمتلك من الحضور الشعبي والعمق الجماهيري حلاً من الحلول المتاحة.

لذا فإن مجيء الكاظمي وان كان عبر قناة القوى السياسية الشيعية المتحكمة بالمشهد النيابي آنذاك، الاٌ انه جزء من مشهد خارجي بروتوكولي، لكن عمق القرار، هو ارادة شعبية جماهيرية، متزامنة مع رؤية روحية عليا في البلاد، رأت في وصوله ضمانةً واقعية لمنع الانزلاق الى المآل الاخطر في عمر العراق السياسي.

في الواقع نجح الكاظمي في مهمته خلال مدة حكمه، بل وتجاوز بالبلاد مطبات صعبة وعنيفة للغاية، واستطاع ان يتخلص من عقد التأثيرات الخارجية الى حدود مثلى، بل ونجح في تحويل معادلة الاطراف المتصارعة، الى الاطراف المتحاورة الباحثة عن مصالحها دون الحاجة لاحراق المنطقة واغراقها بالدماء.

لقد كان لهذا النجاح الموضوعي، أسبابه الموضوعية أيضاً، فاتزان الكاظمي وبعده عن الوقوع في فخ صراع المحاور المتضادة، ونأيه بالعراق عن مناخات التصعيد، ولعبه على ورقة المصالح بشكل متقن، فضلاً عن تحول الشارع العراقي المحتج الى مشارك فاعل في رسم المشهد السياسي مجدداً عبر ممارسة انتخابية اشاد العالم كله بمخرجاتها، كانت منجزاتً لذلك الاطار الواضح الذي انتظمت فيه امور البلاد.

نعم، نجح الكاظمي في ان يمسك بقوة القرار السيادي العراقي، ويتمكن بعد جهد جهيد من ان يجني ثمار ذلك، علاقات دولية قوية، وشراكات حقيقية مع امريكا وفرنسا والصين وألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول الكبرى، واليوم تقبل روسيا بثقلها العريق على دعوة الكاظمي لزيارتها واللقاء مع الثعلب الذكي " بوتين" كلها مؤشرات تدل على ان العراق في عهد الكاظمي يمضي بشكل متسارع لترميم صورته، ويعمل بتواصل من اجل اعادة تموضع نفسه في المساحة والمكانة التي يستحقها بطبيعة الحال.

علق هنا