بغداد- العراق اليوم: رأي الحقيقة بهدوء وعلى طريقة الكبار وأصحاب الرأي والفكر الحر، أختار الدكتور جاسم الحلفي، أن يترجل من مهمته، وهو الذي قضى عمرهُ فارساً معروفاً، ومناضلاً صعباً، في جبهات متعددة، ترجل عن المسؤولية القيادية في الحزب الشيوعي، ولم يترجل عن الحياة مؤكداً، وحتى طريقة اعلان هذا الاعتزال جاءت مغايرة لما آلفناه في الحياة الحزبية، لاسيما في الأحزاب العريقة، التي لا يتقاعد اعضاؤها أو قياديوها سوى عبر الموت فقط!. اعتزال الحلفي للعمل القيادي وهو بهذه الروح وهذا العطاء والعنفوان الشبابي، والحضور الفكري والسياسي والنضالي والجماهيري الشعبي، شكلٌ صدمة في الحزب الشيوعي العراقي، وخارج تنظيمات هذا الحزب ايضاً، أذ أن المعركة لم تنتهِ بعد، وخسارة فارس في وسطها، قد يؤدي الى نكوص وتراجع الحماسة لدى الأخرين، لكن الحلفي بدا مصراً في مقالته الاعتزالية التي تنشر في " العراق اليوم" وفي جريدة "الحقيقة" معاً. وللحق، فإن من تابع وعرف اداء الحلفي، سيعرف أن الرجل من نوع خاص، ومن قيادات الحزب غير التقليدية قطعاً، فهو يتمتع بكاريزما ومواصفات قيادية بارزة، وسيعرف أنه لم يكن طارئاً على قيادة هذا التنظيم، بل هو جزء منه، تشرب الفكر الشيوعي في مسامات جسده الأسمر، وتداخل معه روحياً، فضلاً عن أدواره المتعددة التي خاضها بنجاح، كمقاتل مرةً، وكوسيط ومفاوض مرةً أخرى، ولعله يذكرنا بالراحل عامر عبد الله، الذي كان وسيطاً ومفاوضاً منذ ثورة الرابع عشر من تموز 1958، وأن اختلفت المزايا بينهما، فالحلفي يساري الاتجاه بنسبة مائة في المائة، ولم تتسرب اليه أي رؤى او معتقدات أو ممارسات يمينية قط. أن قرار الحلفي المغادرة، مع احترامنا وتقديرنا للمبررات العديدة التي ساقها في مقالته المذكورة انفاً، شكل صدمةً لكل الوسط السياسي، والقوى اليسارية التي ستخسر خدمات مناضل من طراز رفيع، وستظل الساحة خالية من صوت احتجاجي مؤثر بحجم الدكتور جاسم الحلفي في أي محفل يحل به. واذ نحيي (أبا أحلام) على روح المسؤولية والحس العالي بأهمية أن يأخذ الشباب دورهم البارز في حياة ومسيرة حزبهم الشيوعي العظيم، فأننا نأمل أن يكون الحلفي حاضراً كما وعدنا في حديث اعتزاله في كل المحافل الفكرية والمنعطفات النضالية، وأن يبقى ذلك الفتى الشديد الصارم المقاوم من اجل المبادئ الخالدة التي ضحى بها رفاقه الراحلون والشهداء على مذبح حرية الوطن. أن جاسم الحلفي ليس كادراً تنظيمياً شيوعياً تدرج في المواقع الى أن وصل الى عضوية المكتب السياسي فحسب، بل هو مسيرة مكللة بالكثير من النجاحات، ومعززة بالكثير من الحقائق والأحداث والنضالات التي ستغني مسيرة اي كادر قيادي جديد سيترشح عن المؤتمر الحادي عشر للحزب، والذي سيجد نفسه بحاجة اساسية الى خدمات وافكار واستنارات الحلفي بكل هذا التاريخ الوطني البهي، سواء أكان حجاز بهية أو رضا الضاهر أو وسام الخزعلي أو أي من الشباب المناضلين الذين أعطوا ومازالوا يعطون للحزب والشعب دون كلل أو ملل. في الختام نوجه تحية خالصة من "الحقيقة" للزميل والرفيق الدكتور جاسم الحلفي، ونبارك له وهو يكمل عقده السادس ايضاً، آملين ان يكتمل حلمه وحلمنا المشترك في عراق معافى مستقل تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة، رغم اعتراضنا على قراره المفاجئ والمؤلم.
اضافة التعليق