(العراق اليوم) ينشر مقالاً مهماً للقائد الشيوعي جاسم الحلفي ..

بغداد- العراق اليوم:

لقد أكملتُ الستين ... وداعاً للموقع القيادي

الدكتور جاسم الحلفي

لقد أكملتُ الستين عاماً، ما يحتّم عليَّ مغادرة موقعي القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، وهذا ليس قراراً آنيا أو ظرفياً، فقد سبق وتحدثت به مع عدد من رفاق الدرب والأصدقاء المقربين في عدة مناسبات.

يطيب لي التأكيد أن ليس لي من طموح شخصي، سوى مواصلة الكفاح الفكري والسياسي والميداني ضمن صفوف حزبنا الشيوعي، وفعاليات الحركة الاجتماعية العراقية، والأنشطة العامة، الهادفة للتغيير والإصلاح، ولمناهضة الظلم والقهر والاستبداد، استناداً إلى حق الانسان بالعيش الكريم في وطن يحترم مواطنيه ويؤمّن لهم سبل الحياة ويحقق العدالة الاجتماعية، فالهدف الذي أبتغيه هو التغيير من أجل الغد الأفضل للشعب، وحيث قيمة الإنسان أثمن رأسمال. وهذا ما نذرتُ حياتي من أجله، وسوف يستمر ما دمتُ حياً وقادراً على النشاط الذهني والبدني.

أدركُ عدم وجود حد زمني لتقاعد عضو في حزب يكافح من أجل التغيير وبناء الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة العدالة الاجتماعية، فهو ليس تقاعد من خوض الصراع مع الظالمين والمستبدين وناهبي ثروات الشعب، لكن وجود قيادي بعمري قد يشكل إعاقة أمام شباب الحزب لشغل هذا الموقع. هي فرصة لنقل المسؤولية للشباب، وهذا هو المسار الطبيعي، حيث الجديد يحتل موقع القديم. فإذا كان صحيحاً أنّ مزاوجة الخبرات يحتم المعايشة بين الأجيال، فإنّ الصحيح أيضاً ان لا يتم ذلك على حساب تعزيز مواقع الشباب. هذه هي الوجهة التي أرجو لها أن تتعزز في المؤتمر الحادي عشر.

المدة التي قضيتها في الموقع القيادي تجاوزت ربع قرن، وهذه مدة طويلة جداً، أرى أن اطالة أمدها أكثر، ليس في مصلحة الحزب، فلا إضافة نوعيّة للأداء يمكن لي أن أقدمه، بل قد يكون فيه نوع من الجمود الذي ينبغي مغادرته عبر إتاحة الفرصة لدماء جديدة كي تأخذ فرصتها في تطوير رؤى الحزب وتحسين أداءه، ومواصلة نهجه الثابت في ساحات الدفاع عن قضايا الشعب، هذا الحزب العريق، الذي أرسى قواعد الديمقراطية والتجديد في حياته الداخلية، وحمل مشروعا نهضويا حداثويا طموحا. وقدم في طريق كفاحه التضحيات الجسام، فلا هاجس عند أعضاءه سوى تقدم البلد ورقيه، وأن يكون الإنسان فيه حراً كريماً.

إذا جاز لي ان أتكلم عن نفسي قليلاً في هذه السطور، فأود أن أشير إلى أنني لم أتعود الوقوف على الحياد في إطار عملي، وبخاصة في التحديات الكبرى، وإنما اجتهدت بالرأي والحركة والمبادرة على قدر مسؤوليتي، وهدفي في ذلك، كما هو هدف المكافحين من أجل المحرومين، إتاحة أكبر قدر ممكن من الأمل لخلاص شعبنا من أوضاعه المزرية التي عاش تحت وطأتها جراء النظام الدكتاتوري السابق، ونظام المحاصصة والفساد الحالي.

وكما هو الأمر مع غيري من المناضلين، فإن مسيرتي السياسية لم تكن تمشي في طريق مستقيم صافٍ، وإنما شابتها التعرجات والأخطاء، إذ لا تدار الدفة كما نرغب دائماً. نعم، لم أنجح في كلّ ما سعيت، كان للفشل والمراوحة نصيب في تاريخي الكفاحي، كما لكلّ شخص يفكر ويعمل في أوضاع شائكة ومعقدة وخطيرة، مع ذلك لم يتوقف مسعاي، ولم ينل الإحباط مني، ولم تنكسر إرادتي مهما بلغت الخيبات، وحاولت أن لا أتوقف بل أسير مهما بلغت مناكدات التاريخ، من دون أن أسمح للعناد السلبي والانغلاق المتعصب أن يكون كابحا ومعرقلا لحركتي، وإنما هو الاجتهاد المدعوم من أفكار رفاق وشركاء آخرين، ورؤية تستند إلى مناهج البحث والتحليل العلمي وبالأساس منها المنهج الماركسي في قراءة وقائع التاريخ القريب والبعيد في تغيير المجتمعات ودور قوى التقدم والحركات الاجتماعية في ذلك.

إرتأيتُ أن أعلن هذا الموقف، لقناعتي أن الحزب الشيوعي العراقي، تيار فكري وسياسي عريق لا يخص أعضاءه فقط بل كلّ عراقي معني به، ولوضع قيد ملزم لي كي لا أتراجع أمام مناشدات أحبتي من رفاق الدرب، وأعرف أنّ مطالباتهم الاستمرار في المهمة هو إعتزازاً بي، كما حدث في المؤتمر العاشر نهاية العام ٢٠١٦، اذ إرتأيت حينها وحاولت عدم الترشح للقيادة لكني عدلت عن القرار في الساعة الأخيرة قبيل جلسة الانتخابات، إستجابة لطلب رفاق أحبة، في مقدمتهم رفيق الدرب العزيز حميد مجيد موسى.

أعتذر من والدي محمد الحلفي ووالدتي بدرية الكعبي، وإن كان لا معنى للاعتذار الآن، بعد أن رحلا من الحياة، اذ يرقدان في مقبرة وادي السلام برحلتهما الأبدية، الاعتذار لهما جرّاء ما تحملاه مع شقيقاتي وأشقائي من تعسف أجهزة القمع الدكتاتورية، عقاباً لهم على اختياري طريق مقارعتها.

الاعتذار لزوجتي روناك محمد وولديّ روى ورند اذ أن انشغالاتي بالشأن العام كانت بمجملها على حسابهم.

أعتذر عن أي هفوة والتباس رافق عملي القيادي.

والشكر كل الشكر للأحبة الذين عملت معهم ولكل من ساندني في أداء مهماتي، ولمن تفهم مواقفي وقدّر التزاماتي.

  

علق هنا