بغداد- العراق اليوم: يتفق معظم المراقبين في دول العالم الغربي، لا سيما في واشنطن على أن المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اتت كما يبدو بنتائج عكسية لما أراده المنفذون. فبدلاً من أن تردع الكاظمي وتضعفه، حدث العكس من ذلك، حيث بات اليوم أقوى من ذي قبل، كما منحته فرصة أفضل للبقاء لدورة حكم ثانية، وفي ذات الوقت زادت من قدرة السيد الكاظمي والسيد الصدر على تعزيز الإصلاحات ومواجهة الميليشيات المسلحة التي تعمل خارج إطار الحكومة. وعلى الرغم من إدانة إيران والفصائل المسلحة، المحاولة الفاشلة لاغتيال الكاظمي، الأحد الماضي، فإن السياق العام للأحداث من مواجهات وأعمال عنف، الجمعة، ومحاصرة المتظاهرين التابعين للفصائل، المنطقة الخضراء ومهاجمتهم قوات الأمن العراقية، وما سبق ذلك من تهديدات وجهها قادة معروفون في الفصائل المسلحة عبر قنواتهم الإعلامية المختلفة ضد رئيس الوزراء، فقد كانت جميعها مؤشراً كافياً على رغبة ايران والأطراف الخاسرة في انتخابات (تشرين الأول) الماضي لعرقلة إعادة اختيار الكاظمي لدورة حكم ثانية، أو على الأقل تحذير الصدر الذي سيلعب الدور الرئيس في هذا الاختيار من مغبة استبعاد الأطراف الخاسرة من الحكومة الجديدة. وفي حين ليس هناك دلائل واضحة على وجود دور لإيران في الهجوم، لكن وزارة الدفاع الأميركية تصر على وجود بصمات لطهران في المحاولة، فضلاً عن تقارير أولية تشير إلى أن العملية نفذتها جهتان سياسيتان تنتميان الى الفصائل المسلحة المدعومة من ايران، لذا فمن غير المحتمل أن توجها ضربة اغتيال ضد رئيس الحكومة دون مباركة الراعي الإيراني، وفق ناثان سيلز، الباحث في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي. حيث يرى سيلز أنه "ينبغي على الولايات المتحدة محاسبة طهران لردع المزيد من الهجمات من قبل النظام ووكلائه، والعمل مع الشركاء العراقيين لتهميش الفصائل، ووضعها تحت سيطرة الدولة، وتقليل النشاط الإيراني في العراق، كما يجب ألا تؤدي رغبة إدارة جو بايدن في استعادة الاتفاق النووي الإيراني إلى التغاضي عن التدخل الإيراني المستمر ضد الشريك العراقي". وعلى العكس من سيلز، ترى باربرا سلافين، مديرة مبادرة "مستقبل إيران"، أنه من المحتمل أن يكون الجناة في الهجوم على الكاظمي قد فعلوا ذلك من دون موافقة صريحة من طهران، على الرغم من أن إيران هي المصدر المحتمل لطائرات "الدرون" المسيرة المسلحة والمستخدمة في المحاولة، وهي تأمل أن تكون محاولة اغتيال الكاظمي بمثابة جرس إنذار لطهران لمحاولة كبح جماح الفصائل وإقناعها بقبول نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لأنه ليس من مصلحة إيران أن ترى العراق يتحول إلى فوضى. ويشير ديفيد إغناتيوس الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن محاولة اغتيال الكاظمي صدمت العديد من العراقيين، الذين كانت رغباتهم واضحة في الانتخابات، كما أثار الهجوم تعاطفهم مع رئيس وزراء بلادهم، ولفت انتباه المجتمع الدولي للدور الذي تلعبه إيران على أعلى مستويات السلطة في البلاد، ومحاولتها إفساد فوز رجل الدين القومي التوجه مقتدى الصدر بأكبر كتلة من مقاعد البرلمان، بخاصة أنه حاول مثل الكاظمي، النأي بنفسه عن التبعية لإيران، ووعد بأنه لن يترك العراق في قبضة طهران. نتيجة عكسية وفي حين لم يتضح بعد كيف سيؤثر الحادث على المفاوضات بين الفصائل السياسية العراقية حول تشكيل الحكومة نظراً لانتظارهم إعلان النتيجة الرسمية حتى الآن، فإن محاولة الاغتيال الفاشلة قد جاءت بنتائج عكسية بحسبما يتوقع كثير من المراقبين في واشنطن ومنهم راندا سليم، مديرة حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط، والتي اعتبرت أن فكرة اغتيال رئيس الوزراء العراقي تجاوزت الخط الأحمر، وأن تصرف إيران والفصائل العراقية المسلحة يمثل خطوة قصيرة النظر، تعكس يأسهم المتزايد والافتقار التام لأي تفكير استراتيجي ما سيجعل فرصة فوز الكاظمي بولاية ثانية شبه مؤكدة. ويستند هذا التوقع إلى أن محاولة الاغتيال من شأنها أن تزيد الشقاق بين أعضاء الإطار التنسيقي الشيعي، وهي المجموعة التي تجمع الأحزاب الشيعية المتنافسة في نتائج الانتخابات، حيث سيزيد الهجوم من تأليب البعض ضد الفصائل العراقية المدعومة من إيران، كما أن محاولة الاغتيال ستضعف القضية التي تبناها الإطار التنسيقي الشيعي بشأن تزوير الانتخابات، وهذا يعد بشرى سارة للصدر، الذي فازت كتلته السياسية بأكبر عدد من المقاعد النيابية. أما الأثر الثاني الذي يمكن أن يترتب على محاولة الاغتيال، فهو حلحلة الجمود السياسي الذي ساد منذ إعلان نتائج الانتخابات، والذي تمثل في الانقسام بين الفائز الصدر الذي أراد تشكيل حكومة أغلبية، والإطار التنسيقي الذي دعا إلى إلغاء الانتخابات، حيث بدا الموقف مستعصياً على الحل ولم يكن أي من الأطراف مهتماً بالتوصل إلى حل وسط، لكن الآن من المرجح أن تؤدي محاولة الاغتيال إلى فتح الطريق المسدود، وخلق أرضية مشتركة بين الكتل السياسية نتيجة خوف العراقيين من مزيد من عدم الاستقرار، وسيكون ذلك أساساً لبدء المفاوضات، ليتوصل الصدر والإطار التنسيقي في نهاية المطاف إلى حل وسط لتشكيل حكومة توافقية وتقسيم المقاعد فيما بينهم. وآخر الأنباء تشير الى حصول لقاء سياسي تفاوضي جمع بين فريق من التيار الصدري وفريق من الاطار التنسيقي. طهران لم تفهم الرسالة ويتفق مع هذا التحليل أنتوني باف، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، الذي اعتبر أن هزيمة الأحزاب السياسية المدعومة من إيران في الانتخابات البرلمانية كان من المفترض أن ترسل رسالة مفادها أن الاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها من خلال العنف والترهيب لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، ومع ذلك تشير محاولة اغتيال الكاظمي بوضوح إلى أن إيران لم تفهم الرسالة، وإذا عزا العراقيون الهجوم إلى الفصائل المدعومة من إيران وخرجوا إلى الشوارع مرة أخرى كما فعلوا العام الماضي للاحتجاج على التدخل الإيراني، فإن ذلك سيكون نذيراً بعنف وعنف مضاد، ولهذا من المؤكد أن دعوة الكاظمي إلى الهدوء في أعقاب الهجوم اتسمت بالحكمة. ويمكن أن يوفر الهجوم فرصة للحكومة العراقية لكبح جماح السلاح المنفلت، خاصة أن انتصار التيار الصدري سيدعم شعبية القيادة العراقية بما يكفي للمضي قدماً في التشريعات والإصلاحات الأخرى التي من شأنها تغيير وضعها كهياكل مستقلة داخل قوات الأمن العراقية، فضلاً عن محاولة تقليل أو إلغاء حصولها على ما يقرب من 2.4 مليار دولار تتلقاها سنوياً من الحكومة العراقية. وفي حين أن مثل هذا التشريع قد لا يرى النور، فإن التهديد به يمكن أن يضغط على الفصائل المسلحة للحد من أنشطتها.
*
اضافة التعليق