بغداد- العراق اليوم: من بين أكثر الإشكاليات تعقيدا في مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية، التي تجري اليوم الأحد، هو التنافس الحاد والخلافات بين الكتل السياسية “الشيعية” في مجلس النواب الجديد على تسمية المرشح لتولي منصب رئاسة الوزراء، السلطة التنفيذية الأعلى التي تستحوذ على الجزء الأكبر من قرار الدولة. الكتلة الأكثر عددا ويسبق موعد الانتخابات جدل واسع بين الكتل الشيعية التي تروج كل منها، لأغراض التنافس الانتخابي وكسب الجمهور، على أنها الكتلة التي ستشكل الحكومة الجديدة. إذ ستتجه القوائم الانتخابية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات باتجاه تشكيل تحالفات من قوائم انتخابية مختلفة وصولا إلى تشكيل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” المخولة بتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء. وبحسب تفسير المحكمة الاتحادية العليا، فإن “الكتلة النيابية الأكثر عددا”، وفق الدستور، تعني الكتلة النيابية التي تشكلت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر، وأصبحت مقاعدها بعد أداء اليمين الدستورية، “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” من بقية الكتل الأخرى. ولنيل ثقة مجلس النواب، يحتاج المرشح لرئاسة الوزراء إلى تصويت الأغلبية المطلقة على أسماء الوزراء بشكل منفرد، أي نصف عدد أعضاء مجلس النواب زائد واحد (165+ 1). وأبدت كتل سياسية عدة رغبتها في تسمية مرشحها لرئاسة الوزراء في مرحلة ما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات. من بين هذه الكتل؛ ائتلاف دولة القانون، الذي يرأسه نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، لدورتين متتاليتين (2006 إلى 2014)، وتحالف “الفتح” الذي يرأسه هادي العامري ، الأمين العام لمنظمة بدر (الجناح العسكري والحليف الأوثق لطهران). بالإضافة إلى مرشح لم يُعلن عن اسمه للتيار الصدري. الكتلة الصدرية وتحديات الفوز وتروج الكتلة الصدرية إلى أنها من ستفوز بأكبر عدد من المقاعد يؤهلها لتسمية مرشحها لرئاسة الحكومة الجديدة، لكنها تراجعت في الأيام الأخيرة، متبنيةً الدفع باتجاه “المرشح المستقل”، بعد إدراكها صعوبة تخطي مرحلة الحصول على أصوات الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب في حال نجحت بتشكيل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، وتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء، وهو احتمال وارد. وعلى الرغم من التوقعات بحصولها على عدد من المقاعد أكبر من القوائم الشيعية الأخرى ، لكن من الصعب على الكتلة الصدرية تشكيل تحالف يؤهلها للوصول إلى 166مقعدا اللازمة لمنح الثقة للحكومة الجديدة، لأسباب عديدة. ويعتقد قادة في التيار الصدري إن حكومة ما بعد الانتخابات المبكرة ستكون لرئيس وزراء مستقل. لذلك فمن المتوقع أن يواصل التيار الصدري دعمه لتسمية “مرشح مستقل” قريب منه أو من مؤيديه لحرمان الكتل النيابية المتنافسة من فرصة تشكيل الحكومة مستقبلا. ولا يشترط الدستور أو قانون الانتخابات أن يكون رئيس الوزراء عضوا في مجلس النواب، أو رئيسا لحزب أو حركة أو تيار سياسي. ولأسباب تتعلق بالخلافات “الحقيقية” بين القوائم الانتخابية الشيعية الرئيسية الأربع، (الكتلة الصدرية، وتحالف الفتح، وائتلاف دولة القانون، وتحالف قوى الدولة الوطنية)، فسيصار إلى تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا، من تحالف أو أكثر من تحالف ، وتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء في المرحلة الأولى، ولكن في مرحلة لاحقة يبدو متعذرا الحصول على النصاب القانوني ، أي “الأغلبية المطلقة” من عدد أعضاء المجلس الجديد (165+ 1) لمنح الثقة لحكومة رئيس الوزراء الجديد. فشل “الكتلة الأكبر” فرصة للكاظمي يعتمد تسمية مصطفى الكاظمي، مرشحا مستقلا لرئاسة الوزراء على فشل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، التي سيُعلن عنها في أول جلسة لمجلس النواب وتسمية مرشحها، وفشل هذا المرشح في الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات أعضاء المجلس لمنح الثقة لحكومته الجديدة. حيث سيؤدي الفشل “المتوقع” إلى اللجوء إلى خيار مرشح “توافقي” من خارج الكتل السياسية ، مع احتمال أكبر لإعادة تسمية الكاظمي. خاصة وأن الرجل قد حقق ونفذ جميع وعوده تقريباً. وكان الكاظمي ومنذ بداية وصوله إلى رئاسة الوزراء، قد جاء ممثلاً للحركة الاحتجاجية، التي أرغمت سلفه عادل عبد المهدي ، على الاستقالة بعد عجزه عن حماية المحتجين ، وتقديم المسؤولين عن قتلهم إلى القضاء. ويتفق الجميع على ان الكاظمي هو رئيس الوزراء الوحيد الذي مرت فترته، رغم قصرها (2020-2021)، ورغم مهامها المحددة ، دون صِدام “حقيقي”، أو خلافات عميقة مع كتلة نيابية أو أكثر. وأجاد الكاظمي، خلق حالة توازن بين علاقاته الوثيقة بإيران وقادة “الفصائل المتنفذة” في الحشد الشعبي من جهة ، ومن جهة أخرى علاقاته بعيدة المدى مع الولايات المتحدة ، التي تفاوض معها على الانسحاب من العراق استجابة لقرار مجلس النواب، وقد نجح في هذا الأمر . البوابة الإيرانية وعدم الاعتراض الأمريكي ويدرك الكاظمي، وغيره أن تسميته لرئاسة الوزراء لا يمكن أن تمر إلا عبر بوابة موافقة طهران، وعدم اعتراض واشنطن. كما يحتاج المرشح لرئاسة الوزراء إلى قبول مبدئي من مرجعية النجف ومباركتها. لكن الكاظمي، سيواجه تحدي القدرة على إقناع الكتل والأحزاب السياسية الأخرى التي ساهمت في تمرير تسميته لرئاسة الوزراء في مايو 2020، وإعادة تسميته لهذا المنصب لأربع سنوات قادمة. وباتت هذه الكتل والأحزاب على قناعة بأن الكاظمي، في حقيقته سيكون مرشحا عن الكتلة الصدرية دون إعلان رسمي. في مقابل ذلك، هناك احتمالات لزيادة فرص التجديد للكاظمي من خلال الدعم الإقليمي والدولي له ، بعد أن أثبت نجاحه في خلق موازنة في علاقاته الشخصية ، وعلاقات العراق مع كل من الولايات المتحدة وإيران، وهما فاعلان رئيسيان في تسمية مرشحي رئاسة الوزراء، كما حصل في الدورات الانتخابية الأربع السابقة.
*
اضافة التعليق