الصحافي الامريكي الشهير دايڤيد إغناتيس يتحدث عن "رجل بغداد الذكي" الذي سيجنب العراق مصير أفغانستان الكارثي

بغداد- العراق اليوم:

في مقالة لافتة، نشرها الصحافي والكاتب السياسي الأمريكي المعروف، دايڤيد إغناتيس، في صحيفة الواشنطن بوست، قارن فيها بين الأنسحاب المتسرع من افغانستان والأنسحاب المبرمج الذي من المؤمل ان يبدأ نهاية هذا العام.

مؤكدًا أن " العراق حظي بقائد ذكي كالكاظمي الذي سيعمل على تجنيبه تداعيات قرار انسحاب عاصف، قد يؤدي به الى سيناريو كارثي كما يحدث في افغانستان التي تُركت الآن نهباً لعنف طالبان المتشددة".

كما يلفت اغناتيس الى قدرات الكاظمي الدبلوماسية والتكتيكية وقدراته في بناء شخصية معنوية قوية في معترك شديد التعقيد كما كانت بغداد عليه الصيف الماضي، فكيف نجح الرجل في تجنب ( الصٍدام الإيراني – الأمريكي)، ودفع سيناريوهات التصادم ( الشيعي – الشيعي)، بل كيف تحول الى قاسم مشترك بين الأقطاب المتنافرة في الساحة الشيعية، حتى انه استطاع جمع الصدر والعامري وفوقهما السيد السيستاني على موقف واحد، وهو الثناء على نجاحه في التفاوض مع الولايات المتحدة.

(العراق اليوم) يعيد نشر المقالة كاملةً مترجمة:

عقب الانسحاب السريع والفوضوي للقوات القتالية الأمريكية من أفغانستان، تتخذ إدارة بايدن نهجاً أكثر حرصاً ونجاحاً في العراق.

 يبدو أن الرئيس بايدن قد وجد البقعة المناسبة له في العراق: قوة أمريكية صغيرة يمكنها تدريب الجيش العراقي وتزويده بالمعلومات الاستخبارية وحمايته ضد الجيران الأقوياء - بدعم من معظم الفصائل السياسية العراقية. إنها طريقة منخفضة التكلفة ومستدامة للحفاظ، على الأقل لبعض الوقت، على قوة الولايات المتحدة على طول خط الصدع الاستراتيجي.

في المقابل، تعيش أفغانستان حالة من الفوضى بعد المغادرة المتسرعة لآخر القوات القتالية الأمريكية في شهر تموز. غادرت الولايات المتحدة من دون حكومة مستقرة في كابول، أو اتفاق بين الفصائل المتحاربة أو دعم إقليمي لأمن أفغانستان. سلَّم المبعوث الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد في تصريحات له يوم الثلاثاء إلى منتدى آسبن الأمني أن "الوضع مقلق للغاية".

قد يكون الاختلاف الحاسم هو وجود شريك ذكي لبايدن في العراق، وهو رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. إذ زار الكاظمي واشنطن الأسبوع الماضي وخرج بسلسلة من الاتفاقيات التي ستربط العراق بشكل أقوى بجيرانه العرب وأوروبا والولايات المتحدة - من دون إثارة قطيعة مع إيران.

كان محور زيارة الكاظمي هو ما أسماه "شراكة إستراتيجية" مع واشنطن، إذ ستسحب الولايات المتحدة قواتها القتالية المتبقية مع الاحتفاظ بقوة كبيرة يمكنها المساعدة في التدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية وأنشطة الدعم الأخرى. كان الكاظمي قد أخبرني في بغداد الشهر الماضي أنه يريد إبرام مثيل عن هذا الاتفاق، على الرغم من اعتراضات بعض الجماعات الشيعية المدعومة من إيران.

كانت المفاجأة بالنسبة لي كيف استقبلت الفصائل العراقية هذا الاتفاق بحرارة عندما عاد الكاظمي إلى العراق مجددًا.

 وجاءت تصديقات الأسبوع الماضي من الوطني العراقي مقتدى الصدر وعدد من رؤساء الوزراء السابقين وحتى زعيم الفصائل الشيعية هادي العامري. كما قيل إن القيادة الدينية الشيعية بقيادة آية الله علي السيستاني في النجف مسرورة أيضًا، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وعراقيين.

تعارض إيران أي وجود عسكري أمريكي من حيث المبدأ. لكن يبدو أن طهران مستعدة لتحمل دور تدريبي واستشاري محدود ومتواصل للولايات المتحدة. أخبرتني المصادر أنه عقب زيارة الكاظمي، أصدرت طهران تعليمات لوكلائها العراقيين بوقف الهجمات على القوات الأمريكية. واحتجت الفصائل المسلحة الشيعية على هذا القرار لكن ليس بصوت عالٍ.

 بالإضافة إلى ذلك، ترغب طهران في ظهور الاستقرار هذا الأسبوع أيضاً. وكان قد أدى الرئيس إبراهيم رئيسي اليمين يوم الثلاثاء كزعيم جديد لإيران، ووعد من جهته "رفع العقوبات الاستبدادية" التي فرضتها الولايات المتحدة. وهو ما يعني على الأرجح، أنه سيعود إلى المحادثات النووية في فيينا قريباً.  وسيحضر الافتتاح الرسمي لرئيسي نهار الخميس مسؤولون من 73 دولة، من بينهم ممثل عن الاتحاد الأوروبي. يُعد هذا الإقبال الكبير مدهش بالنسبة لشخص متشدد سيئ السمعة.

يحاول الكاظمي إمالة العراق قليلاً نحو جيرانه العرب المعتدلين وبعيداً عن إيران الثورية. وتجسد هذا التحول الدقيق في عدة اتفاقيات تم مناقشتها خلال زيارة الكاظمي لواشنطن. يخطط العراق لشراء الكهرباء من الأردن بموجب اتفاقية تمولها دولة الإمارات العربية المتحدة جزئياً، وسيرتبط بالشبكة الكهربائية لدول الخليج العربية عبر الكويت. وتأمل أن تتوقف بحلول العام 2025 عن حرق الغاز الطبيعي وأن تستخدمه بدلاً من ذلك لإنتاج قوتها الخاصة. ستعمل الخطوات الثلاثة على تقليص اعتماد بغداد على طهران لتوليد الكهرباء.

كما تعود الهوية العربية للعراق إلى الظهور بفضل العلاقات الوثيقة مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقد تتعزز مكانة العراق أيضًا من خلال قمة إقليمية ينظمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمخطط لها مبدئياً هذا الشهر في بغداد.

 من الصعب التنبؤ بما إذا كان نجاح الكاظمي في الخارج سيترجم إلى فترة جديدة كرئيس للوزراء بعد الانتخابات المقررة في شهر تشرين الأول. وقد أخبرني العراقيون في بغداد أنهم سئموا من عدم كفاءة وفساد النخبة السياسية في البلاد. ويُعد الكاظمي وجه جديد ليس لديه حزب تقليدي أو قاعدة سلطة، إذ أثار الآمال في التغيير عندما تولى المنصب العام الماضي. لكن يبقى العراقيون يشكون من أنه نفذ القليل من الإصلاحات.

توضح قصة العراق أنه ثمة وسيلة أفضل لحل الحروب "اللانهائية" من الإخلاء في أفغانستان. وترتكز المكونات الأساسية على شريك قوي، جيش مستعد وقادر على القتال، استراتيجية إقليمية يساعد فيها الجيران في بناء الاستقرار بدلاً من تقويضه، ووجود عسكري أمريكي متبقي. لا يبدو أن أيًا من هذه العوامل متوافرة في أفغانستان في عهد الرئيس أشرف غني، في حين كل ذلك واضح في عراق الكاظمي.

 كان العراق قصة فشل الولايات المتحدة على مدى السنوات العشرين الماضية، وقد ارتكب بايدن بعض هذه الأخطاء الفادحة. لكن هذا الصيف، على الأقل، يبدو أن بايدن تعلم شيئاً من أخطائه السابقة في العراق - حتى عندما يرتكب أخطاء مأساوية جديدة في أفغانستان.

علق هنا