إذا لن يفعلها الكاظمي ويؤسس صندوقاً للأجيال من أموال النفط العراقي، فلن يفعلها غيره مهما كان

بغداد- العراق اليوم:

رأى مراقبون ومتابعون للشأن السياسي والاقتصادي في العراق، أن تأمين مستقبل الأجيال القادمة، مرهون بمدى التفاعل في الوقت الحاضر، وأعداد خطط واستراتيجيات اقتصادية وطنية شاملة، ورؤى طويلة الأمد، من شأنها حماية الأجيال اللاحقة من غائلة الفقر والجوع، إذا ما نفد نفط العراق، أو تحول العالم الى الطاقة البديلة، وأنتهى فعلياً عصر الخام، وهنا ستقع كارثة وطنية – لا سمح الله- حين تجد الأجيال الجديدة، ان البلاد فقدت أي قدرة لها في بناء مستقبل اقتصادي، بعد أن دُمرت الزراعة، وأيضاً نهوض عصور الجفاف العميم في هذه المنطقة من العالم، كما تقول الدراسات المستقبلية في عالم المياه.

لذا فأن الرؤية التي يجب أن تطبق لا تحتمل التأجيل ابداً، بل يجب الشروع بها من هذه اللحظة، عبر توفير صندوق او محفظة استثمارية حقيقية، يخصص لها جزء من الريع النفطي الحالي، بالاستفادة من الفروقات السعرية الحالية، ويجب ان يؤسس هذا الصندوق الوطني الأول من نوعه وفقًا لقانون حيوي مرن يسمح بإستثمار هذه الأموال وتنميتها، وتعميم فائدتها، وتحويلها الى طاقة مدخرة للأجيال القادمة، والا فأن الاحتفاظ بأي مبلغ نقدي بشكل جامد ستكون عملية فاشلة وغير جديرة بالأهمية، نظراً للتحرك الاقتصادي العالمي المتسارع.

أن دول العالم ذات الاقتصادات القائمة على الريوع النفطية او المنتجات الطبيعية الأخرى، أنشأت صناديق سيادية ومحافظ استثمارية، وشرعت ببناء خزين مالي جيد يؤمن لها ديمومة، مع تصاعد موجات التخلي عن الطاقة التقليدية، والاتجاه للطاقة النظيفة، ولذا فأن اكثر من 40 دولة حول العالم، أنشأت مثل هذه الصناديق، حتى بلداً صغيراً مثل الكويت المجاورة للعراق، قفزت هذا العام الى المركز الثالث من بين هذه الصناديق الاستثمارية، أذ بلغ حجم استثماراتها اكثر من 700 مليار دولار!، وفقاً لتقرير وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.

هذا التوجه الاقتصادي جدير بالاحترام، وتجربة يجب ان لا يتأخر العراق عن اللحاق بها، وأن يتخلص من هذه الدورة القاتلة، أو الفجوة الريعية التي تنهب كل ايرادات النفط الخام وتذهب بها الى انفاق غير واقعي وغير رشيد على سلع وخدمات زائلة، فيما لا تزال البنية التحتية للبلاد مدمرة، وما تزال دورات الفساد الهائل تأكل كل زيادة مالية، وتدمر كل توجه أو مشروع حكومي بإجراءات بيروقراطية مغلفة من الوجه بالضوابط القانونية، وتختفي تحتها الكثير من الفساد والتخريب والتدمير.

هي دعوة واضحة وصادقة لرئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي عودنا على اتخاذ خطوات جريئة لتشكيل لجنة وزارية عليا، لإقرار قانون الصندوق السيادي الوطني العراقي، والبدء برفده بما يتوفر من مبالغ توفرها الوفرة المالية الحالية، وأن لا يخضع لطلبات الشارع الذي يريد استهلاك هذه الاموال عبر المزيد من الوظائف غير المنتجة، أو المنح غير الفعالة في بنية الاقتصاد الحقيقي.

كلمة أخيرة .. فرصة الأجيال القادمة تكمن في شخص الكاظمي، فإذا لم تنجز هذه المهمة بوجوده، فولله لن تنجز بوجود غيره، اللهم إلاً اذا عاد عبد الكريم قاسم للوجود مرة ثانية، وهذا لعمري مستحيل مستحيل.

علق هنا