عندما يتحدث الصعاليك ويتعملق الأقزام.. رحمن الجبوري نموذجاً !

بغداد- العراق اليوم:



كتب المحرر  السياسي في "العراق اليوم " :

رحم الله الشاعر الكبير صفي الدين الحلي، الذي قال مرة :

 إنّ الزرازيرَ لمّا قامَ قائمُها، تَوَهّمَتْ أنّها صارَتْ شَواهينا

وهو توصيف دقيق جدا، وينطبق تمام الانطباق على ما نعيشه في عراق الفوضى الراهنة، فوضى التوصيفات، وفوضى التصريحات، وفوضى الادعاءات، وفوضى التحليلات المجانية، لاسيما في السياسة، التي يظن الكثيرون انها " وكالة دون بواب" فيلجونها بلا مؤهلات فنية سياسية أو ثقافية!

وهنا تبدأ معضلة تحولهم الى "كسينجر" او غيره، وهم في الحقيقة لا يفقهون الف باء السياسة ولا علوم الاجتماع ولا أي علم اخر.

لكنهم يملكون منصات مجانية للتغريد، هذه المنصات التي اتاحت للجاهل والعالم ان يكونا بذات الاهمية في تصدير ارائهما، دون ان يدرك المتلقي البون الشاسع، بين العلم والهبل!

فالتواصل الاجتماعي كالمسدس، الذي قال عنه مخترعه، اليوم يتساوى الشجاع والجبان!.

لا اريد ان اخوض في تفاصيل هذه المجانية المقرفة التي حولت الكل لصناع رأي عام، او منظرين في حقول وعلوم لا يفقهون فيها شيئاً يذكر ، لكن ما أثارني هو هذا الرأي الذي يطرحه شخص يدعى رحمن الجبوري الذي يسوق نفسه على انه محلل او مستشار سياسي، وهو  يهاجم قرار الحزب الشيوعي العراقي الذي اتخذه امس في عدم خوض الانتخابات النيابية،  كموقف احتجاجي على مستوى السوء والتردي الذي وصلت اليه الحياة السياسية في البلاد، وحالة اليأس التي يعيشها الشعب جراء فقدان البوصلة، والبقاء في دوامة المشاكل، وانعدام الرؤية في قيادة البلاد نحو ضفة الامان.

يأتي هذا الخبير (الفلتة) ليهاجم القرار وقيادة الحزب الشيوعي باجتزاء وعدم فهم كبير، وسطحية تثير الدهشة، ويصف القرار. بالسلبية والقيادة الشيوعية بأوصاف ما انزل الله بها من سلطان، لا لشيء الا انه يرى ان القرار خاطئ، أو أنه -أي رحمن الجبوري  "مكلف " من قبل من كلفه بالاسائة الى حزب، يملك من النضج والرؤية والتحليل، وقراءة الواقع ما لا يملكه غيره من الأحزاب والقوى السياسية، ليس في العراق فحسب، إنما في عموم المنطقة العربية والإقليمية.

نحن لا ندافع هنا عن الحزب الشيوعي، فهو ليس متهماً -لا سمح الله- لندافع عنه، إنما أردنا فقط أن نقول أن قيادة هذا الحزب إستفتت قواعدها في فعالية لم نر مثلها من قبل حتى في حياة الحزب الشيوعي نفسه، فاختارت هذه القواعد مقاطعة الانتخابات، وهنا بات على القيادة أن تنفذ ما إختارته تنظيمات الحزب وجماهيره.. أليست هي لعبة الديمقراطية هكذا، أم ثمة قواعد وروابط أخرى لهذه الديمقراطية؟

ثم ماذا سيقول هذا (الجبوري) لو لم تلتزم قيادة الحزب بخيارات قاعدتها التنظيمية؟

 وهنا أود أن أقول بصراحة تامة، بأني كنت سأصوت لمصلحة الاختيار الثاني، أي خيار المشاركة في الانتخابات النيابية المبكرة في تشرين القادم، لو كنت عضواً في الحزب الشيوعي العراقي.

وطبعاً فإن لدي الأسباب العديدة التي تجعلني أصوًت لصالح المشاركة، لكن، وبعد أن صوتت لجان وتنظيمات واعضاء الحزب  

لصالح المقاطعة، فقد أصبح الأمر محكم التنفيذ، بحيث بات لزوماً على قيادة الحزب الشيوعي أن تقرر المقاطعة طبقاً لقرار قواعدها.. وهذا ما فعلته القيادة الشيوعية بالضبط!

وللأمانة فإن رحمن الجبوري، ليس حريصاً على الحزب الشيوعي، ولا حتى على العملية السياسية، قدر حرصه على ان يظهر قوته الاستراتيجية الهائلة في مناقشة كل شيء يقع تحت يده!( أي غير كون يگعد هيكل)، وأن يبرز عضلاته الفاشوشية، حتى لو استدعى الأمر أن يصبح نكتة يرددها المنكتون على صفحات التواصل الاجتماعي!

اذا ما تجاوزنا دافع الرجل، أو من (دفعه)، وناقشناه مناقشة علمية موضوعية، فأننا نأسى حقا لحالة عدم الفهم والأمية السياسية لدى هولاء الذين يطرحون انفسهم في مقام التفكير والتنظير السياسي، وجهلهم المركب الذي يعيشونه، فهل يعقل ان لا يعرف حضرة المستشار مثلاً، ان المقاطعة هي احدى الخيارات الديمقراطية الناجعة، وهي من المواقف المحترمة التي تتخذها الاحزاب من يسارها الى يمينها  في العالم، وان الديمقراطية ليست على طريقة الاجماع و( موافج) التي يتقنها هو ومن كان على شاكلته!.

ثم ان لغة التعالي والاستهزاء المبطنة التي وضعها في تغريدته!، لا تنم عن رغبة في مناقشة فكرية او  تحليلية، خاصة وإنه لم يكن يوماً شيوعياً، ولا يعرف شيئاً عن أدبيات وفلسفة وتاريخ الحركة الشيوعية في العراق، قدر كونها - تغريدة الجبوري - تسطيحاً، وتخريفاً بل وجزءً من الردود التي يتناولها البعض من الناس البعيدين عن عمق الاحداث، وقراءاتها بشكل موضوعي علمي، وهنا نكرر قولنا ان دفاعنا هذا ليس عن الحزب الشيوعي وقراره، فالحزب ليس مقدساً طبعاً، كما أن له أدواته وطرقه التعبيرية الاخرى، لكننا ندافع عن قيم الفهم السياسي، ونريد ان نؤسس لقاعدة مهمة في عملية التحليل، وايقاف فوضى المدعين، وقفز الباحثين عن دور في كل عزاء! وما أكثرهم هذه الايام للأسف.

في ختام مقالتي هذه، أوجه شكري للحزب الشيوعي الكبير، وهو يعلن مقاطعته بشكل صريح وواضح - ورسمي - فضلاً عن إننا واثقون من أن إنسحابه هذا حقيقي، ومؤكد، وليس تكتيكاً أو "لعبة"سياسية أو انتخابية حيث كان يظن البعض من المشككين.

أما سبب توجيه الشكر للحزب الشيوعي، فلأن قيادته وعدت، ونفذت، حين أختارت قاعدته قرار، المقاطعة، فلم تؤجل هذه القيادة، أو تتلكأ، أو تعتذر عن إختيار القرار المتخذ ديمقراطياً .. نعم أشكر الحزب الشيوعي رغم إتي من أنصار المشاركة في الانتخابات ..

علق هنا