الحزب الشيوعي خارج المنافسة الأنتخابية بقرار قواعده.. قد يخسر بعض المكاسب لكنه سيربح نفسه وتاريخه الناصع

بغداد- العراق اليوم:

أنتهى الحزب الشيوعي العراقي، بعد طول مداولات ونقاشات مع الاعضاء، من أعلى هرم القيادة الى مستويات أدنى ربما تصل الى مستوى اللجان القاعدية والخلايا الصغيرة، بل ربما  الى مستوى المرشحين،  وقد انتهى الى قرار مقاطعة الانتخابات النيابية المبكرة التي من المؤمل ان تُجرى في العاشر من تشرين الأول / أكتوبر المقبل.

القرار التاريخي والأول من نوعه للحزب الذي اشترك في العملية السياسية بعد 2003 منذ بواكيرها الأولى، وحضر في مجلس الحكم ممثلاً بسكرتيره السابق المناضل حميد مجيد موسى (أبو  داود) ، وخاض لاحقًا الانتخابات النيابية والمحلية كلها، الاً أنه وصل الى قناعة أن حضوره في المشهد الانتخابي، لن يغير من المعادلة شيئًا، بل قد يمنح رسالة عكسية، ويمنح المتسلطين على القرار السياسي والحكومي والتشريعي شرعية مضافة.

وهكذا خاض الحزب حواراً داخلياً عميقًا وصريحاً وشفافاً، كما أدام وواصل مناقشات ومراجعات، قلما تتخذها الأحزاب الأخرى في قرارات مماثلة، وانتهى الى قرار عدم خوض المعترك الانتخابي هذه المرة.

ولكن الحزب كما يقول مقربون منه، لن يتحول الى "خنجر" معادي للدولة، ولن يتحول الى عدو للديمقراطية ابداً، ولن يبحث عن حلفاء  متشددين، بقدر بحثه عن أفق أخر في ضوء المعطيات الشعبية  والواقعية لتصحيح المسارات الخاطئة التي انحرفت باتجاهها العملية الديمقراطية في البلاد، وأنتهت كما معلوم الى انغلاق سياسي غير مسبوق، ووصول صيغة الحكم (الطائفية والقومية) الى  مرحلة التصادم الداخلي،  وعدم قدرة الآليات الديمقراطية عبر الصناديق، او حتى الاحتجاجات على احداث تغييرات مطلوبة في شكل العملية السياسية،  أو تستحيب للمتغير الداخلي الذي يريده الشارع، والذي ما عاد قادراً على التعايش مع تكرار الصيغة الحجرية لشكل النظام السياسي بعد كل تجربة انتخابية صاخبة.

أن قراءة الحزب للمشهد الانتخابي، وهو المعروف بحرصه على قراءة الاشياء قراءة دقيقة، والمعرًف بتعمقه في كشف وتحليل المشكلة الاجتماعية المقابلة للعمل السياسي، قد مكنه من خوض نقاش علني مفتوح مع جماهيره والمؤمنين بخطه السياسي، وأنتهى الى خلاصة مفادها أن "التجربة القادمة بهذه المدخلات، لن تختلف مخرجاتها عما سبقها، مع وجود رتوش جانبية هنا وهناك، وهذا أمر لا يلبي واقع الناس، ولا احتياجات المجتمع المتطلع الى تغيير بنيوي في شكل النظام السياسي الحالي".

هذا القرار يمكن عده من القرارات الصائبة برأينا، بشرط ان يرافقه عمل على الأرض، وان يتم شرح ابعاده للجماهير غير الحزبية، كما يستطيع الحزب - برأينا الشخصي أيضاً -أن يحدث تغييراً شاملاً في بنية العمل السياسي والتنظيمي للحزب، مع أنفتاح مناسب في الخطاب الإعلامي، وتوسل آليات جديدة في نقل رؤية الحزب وقدرته على انتاج بديل مقبول وملائم، خصوصاً ان الحزب الشيوعي العراقي يتمتع بخصائص فريدة، لا يملكها أي حزب منافس، من حيث العراقة، وقوة البناء والتنظيم، والخبرة الطويلة، ووفرة الكفاءات الداخلية، مع بصمته المعروفة كحزب نزيه مائة في المائة، فالنزاهة التي يحملها كل من تصدى من اعضائه، في أي موقع، أو مسؤولية، سواء عن طريق الحزب، أو عن طريق كفاءته الشخصية يعرفها ويتحدث بها الجميع.

ان هذا التوظيف يجب ان يتزامن ايضاً مع اعلان خارطة طريق شاملة للحل السياسي في البلاد، وشرح نوعية الانتخابات والقانون الانتخابي الملائم والذي يمكن معه انتاج شكل حقيقي مبتغى لنظام سياسي ممثل للشارع ولرغباته، وقادر على انتاج الدولة المأمولة التي ضيعتها سياسات التعصب والطائفية والانغلاق القومي وعدم الفهم الاجتماعي.

ختاماً، قد يخسر الحزب الشيوعي بعض المكاسب بمقاطعته الانتخابات، لكنه سيربح نفسه وتاريخه واحترام الشارع الشعبي.

علق هنا