دولة الكرد ودولة البارزاني

بغداد- العراق اليوم:

تعودنا نحن الكرد على التصريحات المتشنجة و الانفعالية للسيد مسعود البارزاني، و خاصة عندما يتعلق الامر باقامة الدولة الكردية، بالضبط على شاكلة القادة العرب الذين اعتاشوا عشرات السنوات على (وحدة الامة العربية) و (رمي اسرائيل في البحر) لكي يبرروا بها قمع شعوبهم و يبقوا اطول مدة على كرسي الحكم، ولكن بالنتيجة مزقوا الامة و رموا مستقبل شعوبهم في اتون حرب تلو الاخرى و اغرقوهم في الدماء و الديون.

هؤلاء الحكام الذين رأينا في السنوات الاخيرة تساقط انظمة بعضهم مثل احجار الدومينو، كانوا يعيشون اوهام ما بعد الدولة، لكن البارزاني يعيش اوهام ما قبل

 الدولة.

 دولة البارزاني ليست دولة الكرد التي ضحت من اجلها اجيال و اجيال و لا يمكن ان يستغنى الكرد عن هذا الامل و الحلم القومي، لانهم يعتبرونه استرجاعا للكرامة القومية المسلوبة تاريخيا و الخيمة التي (تطعمهم من جوع و تؤمنهم من خوف)، لكن دولة البارزاني (بعكس الدولة القومية) هي الدولة الفوقية التي لا تستند لا على التاريخ، لا على الجغرافيا و لا على المقومات التي تشكل لبنة الدولة الناجحة ذات الحكم

 الرشيد.

ففي دولة الامل، الشعب و كرامته و حريته هو المركز و المبغى، و لكن في دولة البارزاني، المركز و الاساس هو و سلطته الشخصية و العائلية و الشعب كومبارس لاشباع غروره من المنجزات و الانتصارات، لذا نراه يوما (يرسم حدود كردستان بالدم) و يوما اخر نراه واقفا مع السيد العبادي يدعم وحدة الاراضي العراقية، وفي يوم ما يتحدى باعلان الدولة قبل الانتخابات الامريكية وفي يوم اخر يتمنى ان يستمر الدعم الامريكي له في عهد ترامب و هو لا يزال رئيسا غير شرعي للاقليم و يتحاشى حتى لفظة

 الدولة.

و اخر تصريح (ناري) له، كان في مقابلته الاخيرة التي اجراها معه رئيس تحرير صحيفة (الشرق الاوسط) السيد (غسان شربل) عندما قال  بانه (سيعلن الاستقلال في اللحظة التي يتولى فيها المالكي رئاسة الوزراء و ليكن ما يكون، و من دون الرجوع

 الى احد..).

ضاربا عرض الحائط الاستفتاء الشعبي و اراء الاحزاب السياسية الاخرى و مجازفا بمصالح و مستقبل الكرد كلهم (المهم اعلان دولته دون مراعاة لاي سياقات قانونية و سياسية و بعد ذلك فليكن ما يكون) !.

و فور نشره، تم تداول التصريح من قبل شبكات التواصل الاجتماعي بتعليقات و تغريدات كوميدية و اعتبر كنكتة بداية السنة الجديدة، كتبوا (اذا على شعب اقليم كردستان ان يصوتوا جميعا في الانتخابات المقبلة للمالكي، عسى و لعل ان يلد جبل البارزاني المتمخض و يعلن الدولة الكردية)، او (ان البارزاني يعرف بانه من الصعب عودة المالكي

 الى الحكم.

لذا و لحفظ ماء وجهه، ربط اعلان دولته الموعودة بعودة المالكي الى سدة الحكم في العراق)،

 و تعليقات اخرى كثيرة تعكس فقدان شعب اقليم كردستان ثقتهم بالوعود الموسمية للبارزاني باعلان الدولة و يعرفون جيدا بانه ليس رجل دولة بل

 رجل سلطة فقط.

نستنبط من تاريخ بناء الدول بان الدولة تبنى ثم تعلن و ليس العكس، الدول ( بمفهومها الصحيح) لها مقومات، مؤسسات، منهج و فلسفة حكم، رؤى مطلة على افاق المستقبل القريب و البعيد، رؤى

سياسية، ستراتيجية، اقتصادية و اجتماعية لكي ترسم على اساسها اطر و مسارات دولة ناجحة تحتضن مواطنيها و توفر لهم الحد الادنى من العيش الكريم و الحرية و العدالة، و ليست دولة فاشلة يهرب منها مواطنوها و يلعنون حكامها، و اليوم نرى الملايين من المهاجرين الى دول اوروبا و هم الهاربون من جور و ظلم و حروب دولهم، لان دولهم بنيت اصلا لحكامها و سخرت مصالح الشعوب لمصالح النخبة الحاكمة المتشبثة

بكرسي الحكم.

 اذا ليس شرطا ان تكون الدولة نعيم الشعوب، بل اذا كانت فقط تدور في فلك الشعارات و اشباع الغرور الشخصي و التستر على الفشل و ردود افعال لعودة هذا الخصم او ذاك الى السلطة، فبالتاكيد لا يمكننا ان نتنبأ الا ان تكون هذه الدولة جحيما للشعوب و نعيما

للحكام.

و البارزاني بانفعالاته (القومية) غير المدروسة هذه، يريد ايصالنا الى جحيم دولتنا و نعيم دولته هو

وعائلته.

 اليس من العجب العجاب ان يدعي البارزاني بناء دولة للكرد، و هو لا يعير اي احترام للقانون الذي وقعه بنفسه و يتشبث بكرسي رئاسة الاقليم دون اي اعتبارات قانونية و سياسية و تاركا وراء ظهره جميع المناشدات المحلية و الدولية ؟!..اذا كان السيد البارزاني صادقا مع شعارات الدولة المنشودة، هل من المعقول ان يقوم بنسف الركيزة الاساسية للدولة و الديمقراطية و يمنع رئيس برلمان الاقليم من دخول اربيل العاصمة بقرار من حزبه (الحزب الديمقراطي الكردستاني) و بعد ذلك تعطيل البرلمان، وذلك فقط لان ممثلي الشعب حاولوا و عن طريق تعديل قانون رئاسة الاقليم ان يعالجوا المشكلة

القانونية لمنصبه.

و بعد ذلك طرد خمسة وزراء في حكومة الاقليم و هم من الحزب الثاني في الاقليم (التغيير) و الذي لديه (24) مقعد

 من مجموع (111) مقعد للبرلمان، و هذه القرارات الحزبية هي التي عقدت و عمقت الازمة المالية الخانقة التي يعيشها مواطنو اقليم كردستان و الذين بسبب الفشل المتكرر لحكومة الاقليم التي يرأسها نيجيرفان البارزاني (ابن اخ مسعود البارزاني) لا يمكنهم استلام حتى ربع او نصف رواتبهم الشهرية في اوقاتها المحددة منذ ثلاث سنوات، في الوقت الذي يتمتع فيه الاقليم باحتياطي كبير من النفط و الغاز و مصادر غنية اخرى للواردات و لكن بعضها غير مستثمرة كالسياحة و البعض الاخر غارقة في الفساد و اللاشفافية مثل قطاع النفط

 و الغاز.

و اخيرا نقول بان الذين بنوا الدول تعالوا على المصالح الشخصية و الفئوية الضيقة و سخروا حياتهم و مصالحهم خدمة للدولة و ليس الذين يريدون تسخير الشعوب و امانيهم لتحقيق رغباتهم الشخصية و خياطة الدولة على مقاساتهم.

*رئيس كتلة «التغيير» في مجلس النواب العراقي

 

علق هنا