يوم حسدت الحمار

بغداد- العراق اليوم:

حمزة مصطفى

لا أملك تعريفا للمثقف ولا ينبغي لي. فأنا في  النهاية واحد ممن يزعمون إنهم ممن عملوا ولايزالون يعملون في هذا الحقل منذ عقود من الزمن. قرأت المئات من الكتب بعضها من الأمهات, وبعضها الآخر متنوعة الأهمية وقسم منها رديئة.  كالعادة تنوعت القراءات بين حقول  المعرفة المختلفة "أدب بكافة أجناسه,فلسفة, تاريخ, سير ذاتية, سياسة, إقتصاد, فكر". وطوال تلك العقود مارست الكتابة ناقدا أدبيا وكاتبا للعمود الصحفي ومراسلا  صحفيا , وأخيرا محللا سياسيا حين غزت الفضائيات حياتنا قبل غزوة الفيس بوك وتويتر  والواتساب. ومثلما لم أتوقف عن الكتابة, لم أتوقف عن القراءة. أستطيع القول خرج الأمر من يدي تماما, وربما من يد  بعض أصدقائي ممن نتبادل أحيانا أطراف الحديث في أحد شؤون  الثقافة أوالمعرفة أو الكتابة إحترافا صارت أم هواية بدأت. بمعنى أدق وقع "الفأس بالرأس".

ماذا إستفدت قارئا أوكاتبا؟ بلاشك الأمر لايخلو من فائدة, لعل في  المقدمة منها إنني شخصيا لا أصلح لأي شئ آخر. فأنا فلاح لكني لو مارست الزراعة لكنت أفشل فلاح في العراق. ولو فكرت أعمل فيترجي فأني وبعد نحو 40 سنة في قيادة السيارة  لم أفرق حتى الآن بين الكير و"اللوكير". ولو كنت فكرت أعمل كهربائي مثلا لكنت "إنتلت" من زمان حتى قبل بدء تشغيل أول مولدة أهلية بالعراق. ولو كنت فكرت أعمل عامل  بناء لأحتاجتني  اليابان في الهدم لا في البناء.

إذن ليس سوى القراءة والكتابة بكل مايترتب بل ترتب على ذلك من ثمن باهظ في المقدمة منه "عيون جرك" وظهر بفقرات "معطوبة". دعك طبعا من  الأخطار والأهوال التي تلاحق الكلمة مكتوبة أم مقروؤة أم منطوقة. هل أشعر بالندم لأنني قرأت وكتبت؟ نعم أحيانا أشعر بالندم. بل أزيدك من  الشعر بيت بت أحسد الحمار. نعم أحسد هذا الحيوان الذي تقبل عن طيب خاطر كون صوته أنكر الأصوات مع إنه قليل النهيق وليس مثل الكثيرين من مكثري الكلام السمج, التافه, الرخيص.

الحمار مرتاح لأنه لم يعرف سقراط وارسطو والأسكندر وكارل ماركس وغاليلو ونيوتن وإبن رشد والمتنبي وسيف  الدولة والجاحظ ونجيب محفوظ وبدر شاكر السياب وسعد زغلول ونوري السعيد وصالح جبر وأمين معلوف وجورجي زيدان, وشارل ديغول, وماتوتسي تونغ, ودونالد ترمب, وصفقة القرن, وحل الدولتين, وبينيت غريفث, وجينين بلاسخارت, وإتفاقية باريس للمناخ. الحمار لايملك تويتر ولالديه صفحة في الفيس بوك ولا علاقة له بكروبات الواتس آب ولا غرف كلوب هاوس. ولم يعرف معنى "ياذيب ليش تعوي" ولا "بوس الواو" ولم يستمع الي أي من سيمفونيات بيتهوفن ولم يقرأ ملحمة كلكامش ولا يعرف شئ عن  قمة العشرين, ولا وكالة ناسا للفضاء ولا هيئة النزاهة ولا مزاد العملة ولا العولمة ولم يسمع يوما  بزهور حسين ولا نجاة  الصغيرة. والأهم إنه لم يعرف أن كاتب هذه السطور واحد إسمه .. حمزة مصطفى.

مقالي في جريدة "الزوراء" يوم غد الأربعاء

علق هنا