ويسألونك: لماذا لم يستخدم الكاظمي السلاح ضد المتمردين أمس كما استخدمه مع غيرهم من قبل؟!

بغداد- العراق اليوم:

والجواب برأيي يتأسس على سؤال آخر هو: هل يرضى العراقيون بتقويض الدولة، وهل يقبلون بأضعاف الحكومة التي انتخبوها، فإن رضوا وقبلوا بذلك فلا داعي للجواب على هذا السؤال، أما إذا رفضوا مثلنا تقويض الدولة، فيمكن هنا ان نبحث معاً عن الجواب الحقيقي الذي يسهم في إظهار الحقيقة أمام الناس بعيداً عن الكذب الرائج سوقه هذه الأيام ..

يقال أن الأخطاء في السياسة لا تغتفر، فهي تترك ندوبها على جسد الدول، ويقال أن عملية تقويض أي اساس من أسس الدول، يعني تقويضاً ضمنياً لأسس المجتمع، وتفتيت لقواه الفاعلة، وأيضاً تشجيع على العودة الى ما قبل الدولة.

لذا فأن الدول الأن أصبحت تحرص على أن تتجنب الأخطاء في السياسة، وتتجنب أي عملية تقويض للأسس، فهي تعلم أن سر بقائها، هو بأبقاء هامش الأخطاء مقبولًا، ومنع أي تقويض، وقد يسأل سائل عن هذه الأسس، وماذا تعني في قواميس الدول.

الأسس ببساطة، هي احترام سلطة احتكار الدولة للقوة، ومنع تغول المجموعات والمكونات الاجتماعية ضدها، والدفع بأن يملك المجتمع قوىً ناعمة (مؤسسات مدنية وثقافية وسائل اعلام ورأي واندية و..الخ)، فيما تظل الدولة محتكرة للعنف، كي لا ينفرط العقد وتتفكك المؤسسات.

بهذا الفهم، كان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يعمل منذ يومه الأول، على فرز  معادلة موضوعية تتلخص بالاتي  فيما يخص سيادة الدولة:

-    تواجه الدولة تحدياً خارجياً بالنسبة لسياداتها، وهذا يمكن معالجته بإعادة هيكلة العلاقات الخارجية، وبناء شبكة التوازن المفقودة، وتجنب الدخول في احلاف ثنائية او ثلاثية معادية لإحلاف أخرى، إنما يتم بناء علاقات متزنة وواضحة ومنهجية مع الجميع.

-    داخلياً: تواجه الدولة نوعين من التحديات لسيادتها، وهي تسعى لمعالجتها وفقًا لرؤية خاصة موضوعة بعناية، حيث أننا ازاء معادلتين فيما يتعلق بالسلاح خارج الدولة:

أ‌-    سلاح معادي للدولة وتحمله تنظيمات داعش والقاعدة والبعث المحظور وتنظيمات منحرفة وغيرها، وهذا يجري التعامل معه عسكرياً، ويحرز فيه العراق تقدماً واضحاً، بل أن جهاز مكافحة الأرهاب يكاد يكون قد اقتلع جذور الأعم الأغلب منه خلال السنوات الماضية.

ب‌-    سلاح لا يعادي الدولة، ولكنه يجب ان يخضع لمنطقها، وان ينظم ضمن قوانينها، وهذا سلاح بعض الجماعات التي ساندت الدولة في حربها ضد السلاح المعادي للدولة، ووقفت معها في أوقات الشدة، وأيضاً سلاح بعض العشائر التي تستخدمه ضد بعضها البعض في نزاعات مربكة ومزعجة ومؤذية للأسف، ولكنها لا تستخدمه ضد الدولة.

وهذا السلاح الذي ذكرناه في فقرة ( ب ) هو وحده الذي تعمل الحكومة على استعادته بصفها، والعمل على سحبه، وادماجه ضمن منظومتها المسلحة، ومنع تحويله الى سلاح معادِ لها، أو مُستأجر لتنفيذ غايات وطموحات اخرى لا تخدم مصلحة العراق.

واذا ما فهمنا هذه الجزئية المهمة، فسنفهم لماذا احجم الكاظمي وتمتع بضبط عالِ للنفس في معالجته لملف انتشار بعض المظاهر المسلحة المحدودة جداً والمسيطر عليها، ولماذا يريد الرجل ان يأخذ مسار التفاوض والعمل على استعادة هذا السلاح كله للدولة، دون الذهاب الى تنفيذ مأرب البعض الخبيثة ونواياه المبيتة في جر الدولة الى صراع داخلي مع سلاح لا تعتقده في جوهره معاديًا له، لكنه يساء استخدامه.

علق هنا