مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن نزار حيدر يستكمل حلقاته في (أسحار رمضانية) ويكتب عن عدم صحة (مسك العصا من الوسط ) ..

بغداد- العراق اليوم:

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

                             السَّنةُ الثَّامِنَةُ

                                    (٢٠)                 

نــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

   {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ}.

   إن سَّبب الخلافاتِ التي ليسَ لها حلولاً، هي ظاهرة تآمر بعض الفُرقاء ضدَّ البعضِ الآخر في الجماعةِ الواحِدة، وهو الأَمر الذي يُدمِّر الثِّقة بينهُم ويزيدُ من حالاتِ الظَّن والتَّشكيك ما يحولُ بينهُم وبينَ الإِتِّفاق على حلُولٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.

   وفي هذهِ الحالةِ تتحوَّل المجموعةِ إِلى [أُذن] يسمعُ بعضهُم الدَّعايات والتُّهم ضدَّ البعضِ الآخر من دونِ تثبُّت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.

   فيستحكم سوء الظَّن في الجماعةِ ويذهبُ حُسنَ الظَّنِّ الذي يصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشتر {إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا} في مهبِّ الرِّيح.

   ويشيعُ الظَّن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.

   إِنتبِهُوا إِلى أَنَّ المُخاطب في الآيتَينِ هُم [المُؤمنُون]!.

   وقتها ينقلبُ الإِيثار {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} إِلى استئثار {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِى يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَٰلَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا} والتَّمكينُ كما يصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) [تُصادفُ اللَّيلة ذكرى استشهادهِ في محرابِ الصَّلاة في مسجدِ الكوفة عندَ صلاةِ الفجرِ على يدِ عدوِّ الله المُجرم عبد الرَّحمن بن مُلجم عام (٤٠) للهجرةِ] {وَأَيُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْشٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَرَأَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلًا فَلْيَذُبَّ عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ} إِلى تربُّص {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ}.

   هذهِ الحالات إِذا مرَّ عليها الوقت فستتحوَّل إِلى سببٍ لعدمِ تحمُّلِ أَحدٍ لمسؤُوليَّاتهِ إِذا ما وقعَ السَّيفُ بينَ صفُوفِ الجماعةِ الواحدة، تحتَ شِعار [إِمساك العصا من الوسط] وهي النظريَّة السَّخيفة التي ما أَنزل الله تعالى بها من سُلطانٍ ورفضها القُرآن الكريم، لأَنَّ الموقِف مسؤُوليَّة والمسؤُوليَّة يُحاسبُ عليها المرءُ فهي لها آثارٌ وضعيَّة في الدُّنيا ويومَ القيامةِ {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْـُٔولُونَ}.

   في هذهِ الآية لا معنىً لنظريَّة [إِمساكُ العصا من الوسط] يقُولُ تعالى {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.

   لا معنىً لموقفِ المُتفرِّج، وإِذا كانت الأُمور مُلتبسةً عليكَ فواجبُكَ أَن تستَوضحَها في أَسرعِ وقتٍ أَو أَنَّك مُسرِفٌ!.

   مخبُولٌ مَن يتصوَّر أَنَّ بإِمكانهِ أَن يفلِتَ منها {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقولهُ تعالى {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا} وقولهُ {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.

   السَّببُ الخامس؛ هو طُغيان البعض في الجماعةِ بمُجرَّد أَن يُحقِّقَ بعض النَّجاحات فيسعى لفرضِ إِراداتهِ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال والتي تتحوَّل شيئاً فشيئاً إِلى نَوباتٍ [ثوريَّةٍ] وهزَّات وبراكين تنتهي إِلى تمزقِ صفُوف الجماعة.

   يقُولُ تعالى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ}.

   وهذا سببهُ ضَعف الإِيمان بالعملِ الجمعي والنُّزوع إِلى التنمُّر والتسلُّط والأَنانيَّة المُفرطَة.

   حلُّهُ في القانُون الذي يلزم أَن يَكُونَ حاكِماً في علاقاتِ الجماعةِ وفي طريقةِ ترتيبِ مواقعِ المسؤُوليَّات.

   قالَ تعالى {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} و {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}.

   إِنَّ أَي تجاوُز للحدودِ والقوانين المُنظِّمةِ للعلاقاتِ يُعدُّ ظلماً {ومَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فقدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}.

   والجماعةُ الفَوضويَّة التي لا يُنظِّم القانُون علاقاتها والتزاماتها وطريقة حساب النَّجاح والفشل لهِيَ جماعةٌ تُبطن عوامل التَّدمير الذَّاتي ولَو بعدَ حينٍ.

   كما أَنَّ اعتماد [الإِنصاف] و [العقلانيَّة] و [العلميَّة] في التَّعامُل مع القانُون يُساهم في التَّوصُّل إِلى حلُولٍ {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}.

   *يتبع..

   ١ مايس [أَيَّار] ٢٠٢١

علق هنا