حوار مع الكوكب الموسيقي، والتلحيني كوكب حمزة

متابعة العراق اليوم - بغداد

يطلقون عليه لقب أب الأغنية العراقية الحديثة. هو كوكب حمزة الذي وقع متيماً منذ الطفولة بالفلوت الخشبي الغربي، درسه وتخرج من معهد الفنون الجميلة حاملاً إجازة جامعية بعزفه لكن… عمل مدرساً للفنون ولبى التحريض المتتالي لممارسة فعل التلحين، فوجد لحنه الثاني “نجمة” نجاحاً شبهه بالوباء.

في بيروت كان اللقاء بكوكب حمزة غلب عليه عامل الذكريات وخاصة مع الشاعر مظفر النواب الذي كتب له مرّة من سجنه في الحلة “لحّن أنا مؤمن بك”.

هنا نص الحوار:

*هل سألت والديك لماذا أطلقا عليك اسم كوكب؟

**لم يخطر لي هذا السؤال، لكني أعرف أن والدتي مسؤولة عن الاسم.

*وهل تآلفت معه أم ألحق بك إشكالات ما؟

**بل تسبب لي في الكثير من الإشكالات، منها أن الجميع اعتقدني ملحنة وليس ملحناً، وكنت أتلقى سيلاً من رسائل الإعجاب من الشباب. ولهذا نصحني صديق مخرج بالظهور في برنامج عدسة الفن التلفزيوني، ومن بعده تحول سيل الرسائل يرد من الفتيات

*في الفن يسعى الجميع إلى النجومية وهذا ما حققته لك والدتك منذ الولادة؟

**رحمها الله غريب مصدر الأسماء لديها، مع أننا من مدينة القاسم الصغيرة. حتى أخوتي اسماءهم مميزة ومثيرة للتساؤل.

كيف جذبتك الموسيقى حتى درستها كتخصص؟

**كان في حيّنا قصّاب يعزف الفلوت الخشبي أو الناي كما يُسمّى في العراق، ويخطف لبي بنغمه. مرّة كنت برفقة والدتي في النجف وشاهدت ناياً فطلبت شراءه، فلبت بعد إلحاح. ومن حينها والجيران لا يعرفون الراحة.

*ومتى كان العزف على العود؟

**بعد تخرجي من معهد الفنون الجميلة. فقد قُبلت في المعهد لدراسة الفلوت الغربي، وهناك تعلمت عزف العديد من الآلات فقد كنت مهووساً بالموسيقى. فالزملاء في المعهد يتعلمون العزف أحدهم من الآخر وعلى آلات مختلفة. معهد الفنون الجميلة كان يجمع الفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح، والتفاعل بين الأقسام الثلاثة كان في غاية الأهمية. وبعد التخرج تمّ تعيني مدرساً للموسيقى في إحدى مدارس البصرة سنة 1965. وكان من حسن حظي وجود فرقتين موسيقيتين مهمتين في البصرة، وهما فرقة الميناء والفرقة البصرية التي أصبحت عضواً فيها.

*وكيف رحت إلى التلحين؟

**لم يخطر التلحين لي يوماً، لكن الزملاء في المدرسة ألحوا كثيراً، فنزلت عند رغبتهم وكانت الورطة في بدايات سنة 1967. وسنة 1969 كان اللحن الأول الذي تمّ تسجيله في الإذاعة.

*لكنك حلمت بالتطوير والتحديث ولم تتآلف مع الواقع الموسيقي الذي كان سائداً. هل كان صعباً تحديث الموسيقى من ضمن الفولكلور؟

**المشكلة أن الرئة الوحيدة التي تُسمع من خلالها الألحان كانت الإذاعة، وبالتالي الجيل القديم المسيطر على الإذاعة لا يقبل الحداثة.

كنا ثلاثة ملحنين، طالب القرغولي وكمال السيد رحمهما الله، وأنا، ونحن الثلاثة كنا معلمين وكنا نحمل همّ الأغنية العراقية التي كانت عبارة عن طقطوقة مؤلفة من جمل بسيطة.

*وهل ان المقام والموال العراقيين اللذين نعرفهما من نوع الطقطوقة أيضاً؟

**أغلب الأغنيات كانت تتألف من جزء من المقام ومن ثم تُكمل بالأغنية، وبالتالي تُعرف بالطقطوقة، ونحن في العراق نسميها “بستا”. في حين أن المحدثين كانوا يحلمون بصناعة أغنية مشابهة لأغنيات لبنان ومصر. في رأينا للتحديث أدواته والتي يجب أن تكون حديثة.

*وما هي الأدوات الحديثة التي بحثت عنها؟

**الشعراء أولاً. تعاونت مع شعراء تُلحن نصوصهم للمرة الأولى، وكذلك بحثت عن أصوات جديدة.

*ما هو نوع الغناء الذي كان سائداً حينها في العراق؟

**الأغنية البغدادية والأغنية الريفية وكان يؤديها حضيري ابوعزيز وناصر حكيم. ومن الأصوات النسائية عِفّيفة اسكندر ومائدة نزهت التي كانت من أهم الأصوات النسائية، وهي مغنية رائعة جداً. لم يكن المغنون في العراق يهتمون بالإنتشار خارجه، لهذا كانت النصوص مغرقة في العراقية.

*ما هو التجديد الذي أضفته على الأغنية العراقية؟ وكيف مزجتها مع الفولكلور؟

**أغنيتي الثانية التي وجدت شهرة هي “نجمة” أداها حسين نعمة وكتبها الشاعر كاظم الركابي. لحن “نجمة” تعكّز على أغنية عراقية فولكلورية زاوجتها مع الموشح الأندلسي فجاءت غريبة على السمع، وإذا بها تصبح في العراق كما الوباء. كانت موجودة في كافة وسائل النقل والمقاهي والمطاعم، وتبث في الإذاعة أقله عشر مرات، وصنفت كأول أغنية عراقية حديثة.

*في تأريخ الأغنية العراقية الحديثة ويعتبر كوكب حمزة من روادها يغلب عليها الوجد والشوق. فهل صار هذا الغناء علامة فارقة؟

**تطورت أدواتي في التلحين مع أبو سرحان واسمه ذياب كزار، وكان حينها شاعراً جديداً. هذا الشاعر أتى بلغة جديدة تماماً على الأغنية العراقية، ومعه كتبت نصاً لحنياً جديداً وبدأت مرحلة التطور. وتصاعد هذا التطور مع زهير الدجيلي. والشاعران معاً كتبا ومزجاً بين الحب الشخصي والوطني.

*درست الفلوت فمع أي آلة تعاملت كملحن؟

**الفلوت آلة نواتية موجودة فقط في معهد الفنون الجميلة. كان العود آلة التلحين الشائعة حينذاك. بعض الأصدقاء الذين يكتبون عن تاريخ الأغنية العراقية يسألونني “شلون لحنت هذا الشكل”؟ فالألحان الشائعة على صعيد الوطن العربي سواء في الريف أو المدينة وحتى الصحراء وكذلك البحر يستعين أغلبها بنغم البيات. فيما أتى أول لحن لي حجاز كار، ولم أكن أدرك اسمه.

*جاءك الحجاز كار بدون مرحبا؟

**ولم يفكر أصلاً بالسلام. وحينها كان عزفي على العود لا يزال ضعيفاً. وبالمناسبة أول أغنية سجلتها للإذاعة كانت نهوند ودون معرفة مني. وهذا ما كنت أستغربه.

*تشظى العراقيون منذ ما قبل الحروب المتتالية وبعدها في كل العالم ومعهم مطاعمهم وحفلاتهم وأغنياتهم ومطربيهم. كيف ترى هذا؟

**تجربة الراحل الكبير ناظم الغزالي كانت نصب أعين الفنانين الجدد وكانوا يطمحون لانتشار يشبهه. استفاد من هذه الحالة سعدون جابر، وتجربة الراحل الكبير ناظم الغزالي كانت نصب أعين الفنانين الجدد وكانوا يطمحون لانتشار يشبهه. استفاد من هذه الحالة سعدون جابر، وأثناء وجوده في العراق كان يسافر إلى لبنان وسوريا ومصر والكويت وكل الخليج لإحياء الحفلات.، وهو أول من نشر الأغنية العراقية خارج حدود العراق بعد ناظم الغزالي.

*قرأت من ينسب اكتشاف سعدون جابر لك كملحن. فكيف تم ذلك؟

**جمعني به صديق مشترك كان زميلي في معهد الفنون الجميلة رشيد شاكر الياسين، وهو من أخرج أول أغنية لسعدون جابر. أول تعاون بيننا كان بلحن “أوفيش” وهي كلمة تُعبر عن الرضا بعد ضيق. ثم جمعتنا أغنية “الطيور الطايرة” التي لاقت شهرة كبيرة، والتعاون لا يزال مستمراً رغم كون سعدون جابر يعيش في الولايات المتحدة وأنا في الدانمارك. أما سنوات هجرتنا معاً في سوريا فقد كانت ثمارها جيدة جداً.

*وغنت ألحانك فاطمة القرياني وأسماء المنور وكذلك أصالة نصري ومن الخليج عبد الله رويشد. هل غنى هؤلاء العراقي أم غناء “بان آراب”؟

**نعم جميعهم غنوا العراقي. وغنت فاطمة القرياني نصاً سورياً وأكثر من نص عراقي وهي مغربية الهوية. للأسف لم تُعرف هذه المرأة كفاية رغم كونها تملك صوتاً هائلا في قدراته.

*في جانب منه يلتزم فنك قضايا الإنسان والحرية. أين وكيف عبّرت في هذا الإتجاه؟

**حين كنا شباباً في معهد الفنون الجميلة في بداية الستينيات حدث اضراب عُرف باضراب البنزين، وإثره أعتقلت في مديرية الأمن. أكلنا المقسوم، ومن ثم تمّ نقلي إلى سجن بغداد المركزي. ولحظي الجميل كان في المعتقل الشاعر مُظفر النوّاب. كنت برفقة زميلين لي من قسم المسرح، وكان إهتمام النوّاب بنا غير طبيعي. في هذا السجن أخذت من النوّاب أسس الوعي والثقافة إضافة للجانب الوطني.

*اليسار والعدالة وحقوق الإنسان عدوى التقطها من مظفر النوّاب؟

**كان الأساس موجود بالطبع، فأخي كان معتقلاً ، لكن النوّاب أمدني بحقنة كبيرة وخطيرة.

*هل تقول له شكراً أم تلعن اللحظة؟

**بل شكراً جداً. وعندما تمت استضافتي في برنامج “خليك بالبيت” على شاشة “المستقبل” كانت منه شهادة مهمة. كان دائم الإتهام لي بالكسل وأنا بالطبع لا أنكر. لكنه في الواقع كان مؤمناً بقدراتي الفنية. أذكر أنه كان مسجوناً في الحلة وأنا معلماً في البصرة، ولأنني من الحلة كنت أزوره خلال الإجازات.

*وماذا كنت تحمل له هدايا؟

**البرتقال والتفاح. وأغرب ما قمت به في حياتي رغم ادعاء الجميع بأني مؤدب، لا أعرف “شلون” كتبت لسجن الحلة والأستاذ مظفر النواب أعلمه أني بدأت التلحين وطلبت منه نصوصاً. بالمناسبة النواب يرسم بجمال موصوف فعلى ورق مقوى أعدّ بطاقة رسم على جانب منها وكتب على الآخر “كوكب لحّن أنا مؤمن بك”.

*وهل تحتفظ بالبطاقة أم أضاعتها الغُربات؟

**لم يبق لنا من الذكريات أثر، التفتيش الدائم أخرج حتى ما دفناه في الأرض.

*منذ سنة 1989 وأنت في الدانمارك فهل ترك الصقيع أثره على اختيار المقامات؟

**أغرب ما حدث لي في الدانمارك هو التركيز على عراقيتي على صعيد اللحن ومن حيث لا أدري.

*وهل كان تعويضاً لا واعياً عن الغربة؟

**يبدو هذا فعلا.

*وهل شكلت مرحلة الدانمارك غزارة في الإنتاج؟

**في بداية المرحلة الدانماركية كتبت الموسيقى لعملين مسرحيين وقعهما مخرج بولوني. وكتبت الموسيقى التصويرية لمسلسلين، وأغنية الجنيريك لمسلسل كويتي اداها عبد الله رويشد. وكتبت الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام خلال اقامتي في سوريا.

*هل صحيح أن أغنياتك أو ألحانك في مرحلة صدام حسين كانت جريمة يعاقب القانون من يسمعها كما وجدت على محرك غوغل؟

**أظن أنه كلام مبالغ فيه. لكن اسمي رُفع عن فيديو كليب “يا طيور الطايرة”. عملياً تمّ تحجيمي تماماً.

*كم صبرت على هذا الحصار؟

**لم يكن عندي خيار آخر. وفي سنة 1974 كان الخيار الإجباري ترك العراق بمساعدة صديق بعثي كبير. من دون مساعدته كان مستحيلاً حصولي على جواز سفر في خلال 10 أيام. كانوا يحاربون المعارضين وفق اسلوب فيلم “زد” يصدمونهم بالسيارة ويكسرونهم ثم يرسلونهم للعلاج في بلغاريا على حساب صدام. تكسير ثم تعمير وينتهي الأمر بالتشويه. لم أقل هذا الكلام إلا بعد تصفية صديقي الحميم هذا.

*وما رأيك بالمظاهرات الشعبية؟

**اؤيدها بشكل مطلق. عندما كنت في سوريا سنة 2011 كنت اذهب إلى العراق للمشاركة بالمظاهرات.

*إن كان الفن سلاحاً فما هو دور الأغنية الآن؟

**المشكلة أن القضية أكبر بكثير من حجم أغنية. الغناء وسيلتي للتعبير لكنني أشعر بالحدث أكبر بكثير

المصدر / جريدة القدس العربي

علق هنا