البصرة تريد من الكاظمي أن يحررها من قيودها لتكتب قصائدها مجدداً .. والكاظمي يمضي اليها بنفسه، ويطلق عنانها بيديه!

بغداد- العراق اليوم:

تابعنا بالأمس يوم عمل حافل لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في محافظة البصرة، المحافظة الأهم جغرافياً، وأقتصادياً بالنسبة للعراق، فمن الناحية الجغرافية هي منفذه البحري الوحيد، ورئته الأقتصادية التي يتنفس منها، منذ ان كانت التجارة والبضائع تنقل بواسطة السفن قبل قرون عدة، فتكونت البصرة الحاضرة والمدينة والميناء، وعرف البصريون التنوع الأثني والقومي والديني في مدينتهم، واجترحوا لهم مدارس خاصة بهم في النحو والشعرِ والأدب والفنون، وحتى فن الحوار، وما استتبعه من معاني عميقة الدلالة في اللغة البصرية ان جاز لنا ان نعبر.

أقتصادياً، أيضاً تعتبر البصرة اليوم ( ابو الاقتصاد العراقي وأمه) من رحمها العميق، ومن بين تلافيف أرضها الفسيحة، تستخرج يومياً ملايين البراميل من البترول لتنشر الطاقة في شرايين الأرض الممتدة، ومن موانئها الغاطسة تتدفق على العراق البضائع، من منتجات أبل الأمريكية بحداثته الفائقة، حتى الفلفل الهندي بعراقة القارة الهندية، ودرة التاج البريطاني الخافت السطوع الآن، حداداً على الدوق فيليب الذي اغمض اغماضته الملكية بعد قرن عاشهُ حافلاً.

راح الكاظمي نحو البصرة مع أول سويعات الصباح، كأي روحاني يبحث عن صلاة مقبولة في مدينة أئمة الفقه والشعر والبلاغة والنحو، وحتى الهرطقة ومن هناك بدأ مشواره الصباحي من اطلالتها العجيبة على حوض الخليج المليء باللؤلؤ والمرجان، إذ وقف الكاظمي يمد البصر نحو هذا البحر المكتنز، مردداً قول السياب :

أصيح بالخليج: (يا خليجْ .. يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى!)

فيرجعٍُ الصّدى

كأنه النشيجْ:

(يا خليج

يا واهب المحار والردى .. )

الكاظمي الذي ردد حتماً في سره ايضاً مقطعاً اخر من أنشودة المطر، وقف يضع حجر الأساس لمينائها الكبير، وهو يقول " لن يمر عامُ أيها السياب فيه جوع بعد الآن.. فنحن اولاد المطر الوفير، سننبتُ للمدينة ضوءً وحياة).

مضى الكاظمي في البصرة بين جنباتها السمر، وهو يسارع الزمن، فاطلاق مشاريع نفطية هنا، وفتح قناة مائية عذبة هناك، وبينهما يركل كرة في ملعبها الأسطوري، بأنتظار الخليجيين أن يفدوا على المدينة، فيزدهرُ العشار، ويطرب شط العرب بأغاني البصريين الخفيفة الظل.

الكاظمي يريد للبصرة أن تستعيد مجدها الذي حولته الحروب الى كوابيس، يريد لها ان تنفض عنها ذلك الغبار الثقيل، لتستعيد فسحة الحياة مجدداً، حتى يهناأ البريكان القتيل، شاعرها المصلوب على بوابة الزمن، حيث قال مرةً في أحدى قصائده:

      لكم فسحة الوقت :

أن تصنعوا أجمل الذكريات

وأن تعرفوا للفصول مسراتها

وأن تتغنوا معاً .

ألا آمنوا بالحياة

ولا تفقدوا لون هذا الحضور :

عذوبة هذا الهواء

وحرية الأفق المترامي

ودفء اليد البشرية

ومعجزة الحلم المشترك .

يصنعُ الكاظمي أرادة جديدة للحياة، ويفتح مساقات متجددة، فالدماء البصرية الشابة يمكنها ان تصنع غد اخر ليس للبصرة فحسب، وللعراق ايضاً، بل لكل المنطقة، فهنا أمارة كامنة، وقوة اقتصادية، وبا تريد البصرة من الكاظمي شوى ان يطلق لها العنان، ويحررها من قيودها لتكتب قصائدها مجدداً .. وها هو الكاظمي يفعل !

علق هنا